قد يذكر تاريخ العمل النيابى والأهلى أن الفتاة «يوستينا ثروت» قد نجحت فيما فشل فيه العديد من النواب والحقوقيين والسياسيين، بل والحكومات الأجنبية.
هذه الفتاة سألت الرئيس عبدالفتاح السيسى مساء الأحد الماضى قائلة: «قانون منظمات المجتمع المدنى محتاج نظرة سيادتك وصلاحياتك الدستورية».
الرئيس رد عليها بقوله: «أنا متفق معاكى كان فيه تخوف، أدى إلى أن القانون يخرج بشكل فيه عوار».
طبعا من السذاجة وتسطيح الأمور الاعتقاد بأن الفتاة وسؤالها هما السبب الوحيد لقرار الرئيس بإعادة النظر فى القانون.
المؤكد بطبيعة الحال أن هناك ظروفا موضوعية كثيرة دفعت الأمور إلى هذا الاتجاه. لكن فى كل الأحوال ينبغى أن نشكر هذه الفتاة ــ التى لا أعرف هل هى مصرية أم لا، نظرا لاسمها الأول.
سؤال الفتاة كان سببا ظاهرا على الأقل، لكى يتخذ الرئيس هذا التوجه. وللموضوعية فينبغى أن نشكر الرئيس على قراره لأنه فى النهاية ــ وببساطة شديدة ــ استجاب لمطالبات كثيرة داخلية وخارجية فيما يتعلق بهذا الموضوع. وكان يمكنه أن يتجاهل كل هذه المطالبات والمناشدات.
نعود إلى جوهر الموضوع، ونسأل لماذا صدر هذا القانون بشكله المعيب، وكيف نمنع أن لن يتكرر هذا الأمر فى قوانين أخرى؟!
نتذكر الان أن أخطاء قاتلة كثيرة وقعت منذ أن كان هذا القانون مجرد فكرة أو مشروع، مرورا بركنه فى مجلس النواب ثم تأخر إرساله لرئيس الجمهورية نهاية بإصداره.
نتذكر أيضا أنه حدث أمر غريب فى بداية تحويل مشروع القانون من الحكومة إلى البرلمان. الوزيرة المحترمة غادة والى قدمت نسخة معقولة نسبيا وقتها توازن إلى حد كبير بين حماية الأمن القومى، وبين تنشيط وتشجيع العمل الأهلى بأسسه الصحيحة. المفاجأة أن بعض نواب البرلمان عصفوا بهذه النسخة، وأضافوا إليه مواد مختلفة ومتشددة كانت السبب الرئيسى فى العوار الذى أشار إليه رئيس الجمهورية.
المنطقى أن تقدم الحكومة مشروعا متشددا، ويقوم البرلمان بتخفيفه وليس العكس.
صدر القانون بصورته الراهنة متشددا وكان سببا رئيسيا فى الإساءة إلى سمعة الحكومة المصرية لدى قطاعات كثيرة فى الخارج.
الطبيعى أن يسأل سائل: ولماذا ننشغل بمخاوف وهواجس الأجانب، وهل كلامك هذا دفاعا عن بضعة مراكز حقوقية مشغولة فقط بالسياسة؟!
الإجابة ببساطة هى أنه ينبغى ألا نشخصن القضية. بل يفترض أن يكون لدينا قانون سوى وطبيعى للجمعيات الأهلية، يوفر حدا أدنى من المناخ الطيب لعمل هذه الجمعيات. إذا كان هناك قلة من الناس انحرفت بالعمل الحقوقى بصورة خاطئة، فلنحاسبهم طبقا للقانون. إذا كان بعضهم أو كلهم اغتنوا وسمسروا من وراء «سبوبة حقوق الإنسان» فليتم كشفهم وفضحهم بالقانون، ومحاكمتهم ونعرف ان هناك قضية منظورة امام القضاء .لكن المشكلة الدائمة هى الخلط بين أخطاء بعض الأفراد، وبين تكميم وإغلاق العمل الأهلى بأكمله. ثم إن العمل الأهلى ليس قاصرا فقط على عشرات الجمعيات المهتمة بالسياسة أو بحقوق الإنسان بصورتها الراهنة. هناك آلاف الجمعيات الأخرى، التى ينبغى أن يتم تشجيعها. النقطة الجوهرية هى أن يكون هناك مناخ من حرية العمل لهذه الجمعيات فى مقابل أن يتم محاسبة من يخطئ، لكن الكارثة تكمن فى أنه تم أخذ العاطل بالباطل، والنتيجة هى تكبيل للعمل الأهلى بأكمله.
الجماعات الدينية والمتطرفة لعبت دورا مهما فى العمل الأهلى ٢٠١٣، والقانون قيدها تماما ورأيى ان ذلك كان امرا مهما، ولكن فى المقابل لم نجد من يقوم بسد الفراغ الذى كانت تملأه خصوصا فى مجال العمل الانسانى والخيرى.
السياسة الرشيدة أن تدرس الواقع، وتحاول أن تسد ثغراته وتعالج أخطاءه، من دون أن تدمر كل شىء. بحيث تتسبب فى أخطاء أكبر. لا أنشغل كثيرا بالخارج ومطالباته، لكن على الأقل يفترض أن نمكن الجادين والمحترمين الذين يريدون أن يمارسوا عملا أهليا من اداء اعمالهم طبقا لقانون واضح ومحدد.
والسؤال: ما هو شعور الذين هللوا للقانون وقت صدوره، ثم اكتشفوا أنهم أخرجوا لنا قانونا مصابا بالعوار؟!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع