طارق عامر محافظ البنك المركزى صعيدى من قرية أسطال فى سمالوط بالمنيا، وهو ابن شقيق المشير عبدالحكيم عامر.
الخبير البنكى الكبير يقول إنه عاش فى الصعيد لسنوات، ويستطيع أن يحكم على التغيرات الثورية التى وقعت فى الريف والصعيد بين الماضى والحاضر.
عامر تطرق إلى هذا الموضوع خلال لقاء جمعه مع مجموعة من محررى الاقتصاد بوسائل الإعلام المصرية المختلفة مساء يوم الأربعاء الماضى فى قاعة المؤتمرات بشرم الشيخ على هامش الاجتماع السنوى لجمعية البنوك المركزية الإفريقية.
يقول عامر فى الماضى كانت أجرة المزارع أو «النفر» ١٦ قرشا فى اليوم. غالبية الناس كانت تلبس جلبابا واحدا، وأحيانا تنام به، الأكل كان بسيطا جدا، ولم يكن المواطن الريفى يتكلف كثيرا فى حياته، بل أنه عندما يمرض كانوا يشترون له زجاجة كوكاكولا!.
فى معظم قرى الصعيد كانت الخدمات شبه منعدمة، والقرية كلها كانت تعتمد على حنفية رئيسية واحدة، بل إنها كانت معلما، يقول الناس لبعضهم: «قابلنى عند الحنفية»!. لماذا تحدث عامر عن الحنفية الواحدة والقرية؟!. هو يقول إن بعض معارفه من الصعيد يتصلون به أحيانا ويسألونه: «حرام عليكم.. الحياة لم تعد تطاق، متى ستنخفض الأسعار وتتحسن الأحوال»؟!.
هو يجيب بأنه يقول لهؤلاء بضرورة أن يتأملوا فيما حدث فى الريف الآن. غالبية الناس لديها بيوت على طراز حديث. لديهم مياه وكهرباء وكل الأجهزة الكهربائية، ولدى كل شخص موبايل أو أكثر. لكن الأخطر أن معظم هؤلاء توقف عن الإنتاج، وصار يستهلك معظم احتياجاته، بعد أن كان ينتجها.
حينما قال طارق عامر هذا الكلام لأحد الذين اتصلوا به من قريته، رد عليه قائلا: «انتم أى الحكومة من عودنا على ذلك؟»؟!
عامر لا يستطيع أن يلوم هذا المواطن أو يختلف مع هذا المنطق لأنه من زاوية أخرى، فإن الخارج أيضا عودنا على فتح أسواقنا، وصار معظمنا مدمنا على الاستيراد والنتيجة أننا نستدين من أجل ذلك، ومع ارتفاع الأسعار العالمية وقلة الإنتاج، تزداد المشكلة تفاقما.
من أجل محاربة هذا المنطق جاءت عملية الإصلاح الاقتصادى كما يقول عامر، وبالتالى بدأنا نقلل الواردات ونزيد الصادرات.
أحد الزملاء الحاضرين سأل المحافظ بأن الحكومة تتحمل المسئولية عما وصل إليه الأمر، لأنها لا تعاقب المقصرين والمهملين خصوصا فى الجهاز الإدارى للدولة.
عامر رد بقوله: لكن انتم تنسون أننا لو اقتربنا من أى موظف لا يعمل، الدنيا تقوم عندنا، وذات وقت كان كل خمسة أشخاص يعملون مظاهرة فئوية، وللأسف الصحافة كانت تدعمهم وقتها!!.
فى تقدير عامر أنه إذا كانت الحكومة تتحمل بعض المسئولية فإن المجتمع بأكمله يتحمل جزءا من المسئولية أيضا بسبب تراكم الأخطاء لسنوات. هو مثلا يركز على أهمية الجدارة والاستحقاق، ويسأل: كام واحد عندنا يحصل على أشياء من غير جدارة واستحقاق، بسبب ثقافة العمل الخاطئة؟ وعندما تفكر فى معاقبة هذا الشخص المهمل والكسول، تجد كثيرين يتدخلون ويقولن لك «خلاص.. المساح كريم، لا تقطع عيشه»!!!.
طارق عامر يعتقد أنه من المهم جدا تطوير الجهاز الإدارى للدولة وتأهيل الخريجين وتدريبهم، هو يقول: «على قدر الأسلوب اللى هتمشى بيه، على قدر النتائج التى ستحصل عليها». ولذلك فإن البنك المركزى يساعد مع جهات كثيرة أخرى فى تطوير التعليم الفنى، لأنه أحد المفاتيح الرئيسية لحل كثير من المشكلات.
كلام محافظ البنك المركزى يلخص حقيقة التغيرات التى حدثت للشخصية المصرية طوال العقود الماضية، لأسباب متعددة.
والسؤال كيف يمكن تغيير هذه الثقافة، كيف يعود المصرى عموما، والريفى خصوصا ليصبح منتجا وليس مستهلكا فقط. وهل اللوم يتحمله المواطن فقط، أم سياسيات الحكومات المختلفة منذ عقود التى اوصلتنا إلى هذا الحال البائس، وهل وجد المواطن فرصا للعمل ومناخا للاستثمار والإنتاج وتكاسل؟. وحتى لا ندخل فى جدل من الهموم علينا أن ننشغل بطريقة الخروج من هذا النفق المزمن، بحثا عن الضوء الموجود فى نهايته.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع