بقلم: عماد الدين حسين
مساء الجمعة الماضى اتصل بى أحد الزملاء الصحفيين، وقال لى بصوت مملوء بالفرح والسعادة والحماس، إن هناك طبيبا فى إحدى محافظات وسط الدلتا، نجح فى اختراع علاج حاسم وسريع لفيروس كورونا، وقال لى إنه عبارة عن خلط دوائين معا، وإنه قادر على شفاء المريض خلال ٢٤ ساعة فقط.
ويريد منى أن أساعده لمقابلة بعض المسئولين على الصحة والعلاج فى مصر، حتى نقضى على الفيروس فى «غمضة عين».
الزميل كان يتحدث بحسن نية شديد. طلبت منه أن يهدأ قليلا، فاستغرب أننى غير متحمس مثله لهذا الخبر السعيد. وبدأت أشرح له أسبابى.
ما يفعله هذا الطبيب وتصديق كثيرين له، يتكرر كل لحظة فى مختلف أنحاء العالم خصوصا منذ انتشار فيروس كورونا فى الصين قبل شهور.
سمعنا وقرأنا عن إعلانات كثيرة باكتشاف أو قرب اكتشاف لقاح للفيروس. حدث ذلك من أفراد عاديين وعطارين وباحثين وجامعات ومعاهد ودول. كل يزعم أنه اكتشف أو فى طريقه لاكتشاف هذا اللقاح المنتظر.
لكن الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى هذا الأمر أن العالم لم يكتشف هذه اللحظة لقاحا لهذا الفيروس الذى حيّر الجميع.
نعذر الناس خصوصا البسطاء تحمسهم وشوقهم لاكتشاف اللقاح حتى يعودوا لممارسة حياتهم الطبيعية، التى أصيبت بالشلل منذ انتشار الفيروس. لكن التحمس والشوق شىء، وتصديق الخرافات والأساطير والأكاذيب وأنصاف الحقائق، شىء مختلف تماما.
ورغم ذلك لا ألوم كثيرا هذا الزميل غير المتخصص فى قضايا الطب والصحة العامة، لكن ألوم أكثر العديد ممن يفترض فيهم الخبرة والتخصص، ورغم ذلك نجدهم يفتون كل يوم بغير علم، ومن غير أساس على أرض الواقع.
البعض سمعناه يفتى ويقترح خلطات شعبية لمواجهة الفيروس، مثل ذلك الذى دعا الناس لتجريب خلطة الثوم وزيت الزيتون والليمون، ومنهم من دعا إلى استخدام «الشلولو»، ومنهم من اقترح خلطات متباينة تنتمى جميعا للطب الشعبى، وتذكرنا «بخلطة أو شوربة الحاج محمود» القديمة التى كان يقال إنها تعالج كل الأمراض!.
هذه الخلطات قد تكون مفيدة لتقوية جهاز المناعة على المدى الطويل، لكنها لا تعالج فيروسا شرسا مثل كورونا، وأمثاله.
ومنذ انتشار الفيروس، سمعنا بعض أساتذة الجامعات فى مصر، يتحدثون وكأنهم اكتشفوا لقاحا أو فى طريقهم إلى ذلك. أغلب الظن ــ حتى لا نظلمهم ــ أنهم كانوا ينطلقون بحسن نية شديد حتى يطمئنوا الناس. لكن ثبت ومن خلال تجارب عديدة سابقة أن عواقب مثل هذا الكلام التخديرى أسوأ مما نظن، لأنها تعطى الناس أملا، ثم يصابون بيأس وإحباط شديد، حينما يكتشفون أن ما تم عرضه والحديث عنه والتبشير به مجرد وهم أو «فنكوش كبير».
لن أتحدث عن أسماء أو جامعات أو مراكز محددة، ولكن ألفت نظر الجميع إلى أن اكتشاف لقاح ليس عملية سهلة، لكنه حصاد منظومة شاملة ومتراكمة من البحث العلمى والكفاءات العلمية والموارد المتاحة.
هو ليس قرار إدارة، بمعنى أن إدارة جامعة كذا فى أى مكان بالعالم قررت اكتشاف لقاح، ولا يصح مثلا أن يقال إن الدكتور فلان قرر أو طلب بمنصبه الإدارى أن يتم اكتشاف لقاح.
يفترض بداهة أن أى شخص أو هيئة أو جامعة قبل أن تتحدث عن اكتشاف علاج أو البدء فى التجارب أن تصارح الناس بالحقيقة، والخطوات التفصيلية لإنتاج هذا اللقاح، حتى لا تزرع فيهم الأمل الكاذب.
وهناك فرق كبير بين إجراء تجارب سريرية على دواء أو لقاح موجود بالفعل لعلاج الفيروس، واكتشاف لقاح جديد. من الأمانة ومن الأخلاق ألا نقدم للناس آمالا كاذبة.
أن يخرج مسئول إدارى فى هذه الجامعة أو تلك ويقول للناس إننا نقترب من إنتاج لقاح، هو أمر خاطئ وخطير، خصوصا أن أكبر وأغنى الدول لم تصل حتى الآن لمثل هذا الاكتشاف، ونسمع كل يوم كلاما واضحا بأن العالم بعيد تماما عن التوصل لهذا اللقاح وأكثر الناس تفاؤلا يقول إن اللقاح الجديد لن يكون متاحا فى العالم المتقدم قبل ثمانية شهور، فى حين أن البعض يتوقع أن يتاح تجاريا فى غضون عامين. وبالتالى فعلى وسائل الإعلام أن تقوم بتوعية الناس وتبصيرهم، وألا تساهم فى الترويج لأى
«فنكوش»!!.