٨٥٪ من الناجحين فى الثانوية العامة هذا العام حصلوا على مجاميع أكثر من ٧٥٪، فى حين أن ٢٣٪ من الناجحين حصلوا على مجاميع تزيد عن ٩٥٪.
هذا الرقم سمعته من الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى، مساء الإثنين الماضى فى جلسة ودية مع الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، والزميلين علاء ثابت، رئيس تحرير الأهرام، ومحمود مسلم، رئيس تحرير الوطن.
السؤال المنطقى هو: إلى أى حد تعبر هذه المجاميع المرتفعة عن حقيقة مستوى التعليم ومستوى تحصيل وذكاء الطلاب فى مصر؟!.
للوهلة الأولى، ولو أن هناك مراقبا ومتابعا من الخارج اطلع على هذه المجاميع، فسوف يصل إلى انطباع سريع بأن التعليم فى مصر قد بلغ مستوى مرتفعا، وأن تحصيل الطلاب ومستوى ذكائهم قد وصل إلى المرحلة القصوى.
لكن لسوء الحظ فإن الحقيقة ليست كذلك إلى حد كبير!
سألت الدكتور خالد عبدالغفار: إلى أى حد تعبر هذه المجاميع المرتفعة عن الواقع؟ إجابة الوزير كانت واضحة وصريحة، حيث قال إن حوالى ١٠٪ من الناجحين بالمجموع الكبير هم أذكياء فعلا، ومستوى تحصيلهم مرتفع، لكن البقية ربما حصلوا عليها عبر الحفظ والتلقين، أو معرفة بطريقة الامتحانات وآلياتها، أو لأسباب أخرى، لكن لو أرسلت كل هؤلاء إلى اختبارات الذكاء الحقيقية فإن النسبة سوف تنخفض إلى حد كبير.
الدكتور طارق شوقى يرى أن المشكلة هى الثقافة العامة التى تجعل أولياء الأمور يضغطون على أبنائهم لكى يحققوا «الاسكور» أو الأرقام المرتفعة، بغض النظر عن هل هم فهموا واستفادوا أم لا، وهل هم فعلا يجيدون اللغات الأجنبية ويبرعون فى الرياضيات، أم مجرد أنهم «حفظوا» وحصلوا على المجموع الكبير، لأن غالبية الأهالى وأولياء الأمور يريدون الرقم وليس القيمة.
الدكتور طارق يرى أن النظام الجديد للتعليم الذى سيبدأ فى سبتمبر المقبل، سيؤدى آليا إلى تخفيض المجاميع المرتفعة، وسنعود مرة أخرى إلى المجاميع الواقعية، إضافة إلى أن المناهج الجديدة ستكون قادرة فعلا على قياس قدرة جميع الطلاب بطريقة شاملة، وعندما قلت للوزير، إننى أتمنى أن تختفى عبارة «الامتحانات فى مستوى الطالب المتوسط»، وافقنى على الفور.
فى تقديره أيضا أن النظام الجديد سيعيد الاعتبار لقياس قدرات الطلاب الحقيقية وأهمية وجود فروق طبيعية ومنطقية بينهم، بحيث نكتشف مبكرا الطلاب النابغين.
الدكتور طارق شوقى يتمنى أن يبدأ أولياء أمور وبالتالى المجتمع بأكمله فى التركيز على القيمة أكثر من الرقم، وبالتالى التركيز على ما يفيد المجتمع أكثر من المظهرية والتباهى بالمجاميع الضخمة التى لا تعكس واقعا حقيقيا على الأرض.
لو كانت هذه المجاميع فعلية، لكان المنطقى أن يكون لدينا مئات وآلاف النماذج من أحمد زويل ومصطفى السيد ونجيب محفوظ وسائر المبدعين والمتفوقين والعلماء فى كل المجالات.
قد يكون هناك روتين حكومى قاتل ومنظومة عامة لا تشجع على الإبداع والتفوق، لكن المؤكد أيضا أن هذه المجاميع الضخمة لا تعبر عن الواقع.
نعلم جميعا أن وزارة التربية والتعليم وكذلك التعليم الأزهرى يقوم أحيانا برفع المجاميع، لأن ظروف البلد الاقتصادية لا تتحمل إعلان النتائج على حقيقتها، ونتذكر جميعا أن نتيجة الامتحان قبل سنوات فى أحد الامتحانات الأزهرية كانت ٢٪ أو ٣٪. ووقتها علمنا أن هذا هو المستوى الفعلى. والأمر نفسه فى التعليم العادى، لأنه لو تم التدقيق والتصحيح بالصورة العادلة فسوف يرسب كثيرون، لكن لا توجد فصول أو مدارس أو إمكانيات لاستيعابهم.
الحل هو أن ننسف هذا النظام القديم بأكمله، ونناقش بجدية وموضوعية الأفكار التى يطرحها الدكتور طارق شوقى لتطوير النظام التعليمى، وما هى الشروط والإمكانيات اللازمة لإنجاحه، بحيث يكون هناك تعليم لا يركز بالمرة على الحفظ والتلقين، تعليم ينمى مهارات الطلاب العملية والنظرية، ويؤهلهم لسوق عمل حقيقى، بدلا من طلاب يتخرجون من كليات ومعاهد ودبلومات فنية، لا يجيدون مهنة أو صنعة، بل ولا يعرفون كتابة جملة سليمة باللغة العربية، وأحيانا لا يعرفون كتابة أسمائهم!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع