بقلم: عماد الدين حسين
يوم السبت الماضى نشرت مقالا فى هذا المكان بعنوان: «المجرمون الثلاثة.. أمريكا وإيران وصدام»، وفى صباح اليوم نفسه تلقيت ردا مطولا، من القائم بالأعمال الإيرانى فى القاهرة السفير ناصر كنعان.
جوهر ما جاء فى هذا الرد أنقله مع بعض التصرف:
لماذا تصرون على الخصومة والعداوة مع إيران، رغم أنها لم تقم بذلك. إيران لم تكن يوما ما عدوا للبلاد العربية والإسلامية ولم تبدأ هجوما على أى بلد عربى، ودافعت عن نفسها من هجوم عراقى وعربى ومدعوم دوليا فى حرب مفروضة عليها لمدة ثمانى سنوات.
وأما «الدواعش» فكان ومازال فكرهم وجذورها وأصولها عربية، وقطعت إيران أقدامها فى العراق دفاعا عن العرب وعن نفسها أيضا، والجنرال سليمانى كان فى رأس هذه المواجهة البطولية عندما كانت الدواعش مدعومة من ناحية بعض الحكومات والأنظمة العربية بتسميتهم «المجاهدين فى سبيل الله».
وأما الولايات المتحدة فقد احتلت العراق فى ٢٠٠٣ بدعم عربى، لكى تهاجم إيران بعدها من الأراضى العراقية، أو تقوم بتنفيذ المشاريع الانفصالية فى العراق وإيران والدول الأخرى فى المنطقة، فى إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وفى العملية الأخيرة انتهكت أمريكا سيادة العراق كدولة مستقلة عربية وإسلامية، ونفذت عملية عسكرية وعدوانية بحق إيران والعراق بنفس الضربة، وهو انتهاك للقانون الدولى من جهة، وإرهاب حكومى من جهة أخرى.
وناهيك عن رأيكم الشخصى حول شخصية الجنرال الإيرانى الشهيد والبطل الوطنى والعالمى سليمانى، أليست تصفية العراقيين فى هذه العملية وانتهاك سيادة العراق جديرَيْن بالإدانة من جانبكم كإنسان عربى مسلم؟!.
وإيران لم تكن عدوا لمصر، إلا أن بعض الأعزة يحرصون على ذلك بدوافع مختلفة وهذا ليس فى مصلحتكم ومصلحتنا.
وإيران لها نفوذ طبيعى فى العراق والمنطقة وسيزداد هذا النفوذ مادامت بعض الحكومات العربية تصر على الخصومة معها، وتعتمد على التحالف مع الشيطان الأكبر ووليدتها الحرامية الكيان الصهيونى».
انتهى رد السفير كنعانى، وأتفق مع الكثير مما ورد فى رده وأختلف مع البعض الآخر. نعم «الدواعش» نشأت عربية، ونعم لعبت إيران دورا مهما فى مساعدة العراق على الانتصار على داعش، وكان لقاسم سليمانى دور مهم فى ذلك. ونعم اتفق معه فى أن أمريكا انتهكت سيادة العراق بعملية الاغتيال الأخيرة، وانتهكت أيضا القانون الدولى.
أتفق مع كل ذلك لكن خلافى مع سيادة السفير ــ الذى أرجو أن يظل فى إطار حق كل شخص فى إبداء رأيه ــ هو أن غالبية التصرفات الإيرانية منذ سنوات طويلة، انصبت فى الأساس على تعظيم مكاسبها على حساب المصالح العربية. ولم تتصرف فى مرات كثيرة بقواعد حسن الجوار، بل استغلت الضعف العربى، وبنت نفوذا وهيمنة، دفع ثمنها العرب فقط. نعم هى فى خلاف مع أمريكا، لكنها لم تعارض عدوانها على العراق عام ٢٠٠٣، بل استغلته للسيطرة على العراق. هى شجعت الحوثيين فى اليمن على الانقلاب على الشرعية، ودعمت حزب الله فى لبنان، على أسس طائفية فقط، للأسف.
إيران الدولة صاحبة الحضارة الإنسانية العظيمة، أنا لست فى خلاف معها، وكذلك بلدى مصر. لكن من حقى أن أختلف مع بعض سياسات النظام الإيرانى، فى نطقة جوهرية هى أنه بدلا من بناء علاقات حسن جوار مع العرب، قام بالتوسع على حسابهم.
هل يعفى ذلك بعض النظم العربية من المسئولية؟!.
بالطبع لا. وبعض هذه النظم يتحمل قسطا من المسئولية، لكن من المهم أن الضغط والتجبر الإيرانى، دفع دولا عربية للتعاون مع «الشيطان».
لا أختلف كثيرا فى أن معظم السياسات الأمريكية فى المنطقة العربية متجبرة، وضد القانون الدولى، ومنحازة بالكلية إلى إسرائيل، لكن إيران أيضا ليست حملا وديعا بريئا على طول الخط وهى مثل أمريكا انتهكت سيادة العراق، حينما قصفت قاعدتى «عين الأسد» و«حرير» فجر الأربعاء الماضى!.
أما الفقرة الأخيرة فى رد السفير كنعانى، فهو يقول إن نفوذ بلاده سوف يزيد فى العراق، مادامت بعض الحكومات العربية تصر على الخصومة معها!.. يا سيادة الوزير ما هكذا تورد الإبل، مشكلتكم فى العراق ليست مع بعض النظم العربية، بل مع غالبية الشعب العراقى، الذى خرج ثائرا عليكم وعلى حكومته، وعلى كل الطبقة السياسية، سواء كانت سنة أو شيعة عربا أو كردا. النصيحة الأساسية أن تفكروا فى سيناريو بديل، وهو أن تبنوا علاقات طيبة مع الشعوب، على أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة، وليس على أساس الطائفة أو المذهب أو شراء ولاء بعض الشخصيات والحكومات!
خالص تحياتى كل عام وأنتم بخير