بقلم : عماد الدين حسين
الطريقة التى رد بها السفير نادر سعد المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء مساء الأربعاء الماضى، على اسئلة الاعلام بشأن الأمطار وشبكة الصرف لم تكن ــ من وجهة نظرى ــ موفقة، وربما ادت إلى عكس ما كانت تريده الحكومة!
بالصدفة كتبت فى مقالى أمس فى «الشروق» تحت عنوان «لماذا نعجز دائما عن مواجهة الأمطار؟!» مطالبا الحكومة بأن تكشف للشعب سبب العجز وما هى تكلفة بناء شبكة صرف جديدة؟
وفى المساء تحدث السفير نادر سعد مع أكثر من فضائية، منها برنامج «صالة التحرير» للإعلامية عزة مصطفى على قناة «صدى البلد». وأهم ما جاء فى كلامه أنه لا توجد شبكة صرف فى مصر، لأن بلادنا جافة، وتكلفة إنشائها الآن تترواح بين ٢٠٠ و ٣٠٠ مليار جنيه، وبالتالى هل نبنى شبكة جديدة بهذا المبلغ ولا نستخدمها إلا يومين فى السنة، أم نبنى بهذا المبلغ مدارس ومستشفيات؟!. هو أرجع سبب غرق الشوارع لأن هطول الامطار كان غزيرا بمعدل ٦٥٠ ألف متر مكعب فى ٩٠ دقيقة، رغم جهد الأجهزة المحلية وتواجد جميع المسئولين فى الشارع.
هذا هو كلام المتحدث باسم الحكومة وأحترم تماما صراحته حتى لو كانت صادمة، لكنها أفضل مليون مرة من التصريحات الإنشائية المدغدغة للعواطف، ولن تؤدى لشىء.
وقبل مناقشة كلامه نؤكد أن الأمطار هى من فعل الطبيعة، وتحدث فى كل دول العالم المتقدم والمتخلف. ونشاهد أمطارا وأعاصير وعواصف تقتلع فى طريقها الأخضر واليابس. لا أحد يختلف على ذلك. الخلاف فقط على كيفية استعداد كل دولة لغضب الطبيعة، وهل تتخذ الإجراءات الكافية أم لا؟!
أعود لمناقشة كلام المتحدث باسم الحكومة حتى نصل إلى أفضل الطرق للحل.
هو يقول إن الأمطار الأخيرة والسيول التى تحدث بمصر بسبب التغير المناخى، وهو مدخل مهم للمناقشة. فإذا كنا ندرك جميعا أن التغيرات المناخية بدأت تؤثر على غالبية بلدان العالم، ومصر من بينها، فالسؤال الموجه للحكومة: هل لدينا أى استعدادات أو حتى دراسات للتعامل مع هذه التغيرات؟! وإذا كنا غير قادرين على التعامل مع أمطار حجمها ٦٥٠ ألف متر سقطت فى نصف يوم، فكيف سنتعامل مع ذوبان جليد قد يغرق أجزاء كبيرة من الدلتا لا قدر الله؟!
يسأل السفير نادر سعيد بصيغة استنكارية ويقول: هل نبنى شبكة صرف أم مدارس ومستشفيات؟.. وتقديرى أنه لم يكن موفقا فى هذه المقارنة، لعدة أسباب أولها أنه لم يفكر أن بعض الناس سيسألون مستنكرين ايضا: نحن لا نختلف على بناء المدارس والمستشفيات، لكن هناك أشياء أخرى يتم بناؤها قد لا تمثل أولوية الآن أو غدا !!
يقول السفير إن القاهرة القديمة والمدن الأخرى لم يتم فيها بناء شبكة صرف، لأننا لم نكن بحاجة إليها إلا مرة كل عام أو عامين. والسؤال هنا: ولماذا لم نفعل ذلك فى المدن الجديدة مثل القاهرة الجديدة؟ وهل نحن نلزم المطورين بأن يقيموا شبكات صرف فى المدن الجديدة التى نقوم ببنائها الآن تحسبا للمستقبل؟!
النقطة الثالثة أن كثيرا من المصريين الذين تألموا مما شاهدوه فى الأيام الأخيرة، لم يسألوا أصلا عن شبكة الصرف القومية، بل اشتكوا من أشياء بسيطة مثل عدم وجود مخرات لا تكلف المليارات فى الطرق والكبارى، بحيث لا تتكون برك وبحيرات، ولا يضطر الناس إلى السباحة الفعلية فى نفق العروبة فى قلب مصر الجديدة وغيرها؟! او غياب ثقافة التطوع ومساعدة ملايين المحشورين والمحاصرين لساعات وسط الامطار.
نعذر الحكومة لعدم وجود ميزانيات بالمليارات لإنشاء شبكة صرف جديدة. رغم وجود ادعاءات أن حكومات حسنى مبارك أنجزت بناء هذه الشبكة فى غالبية أحياء القاهرة الكبرى عام ١٩٩٠، لكن ما لم يمكن أن نعذر الحكومة عليه، أننا صرنا نغرق فعلا فى «شبر ميه»، ليست القضية أن يتواجد المسئولون فى مكان الأمطار، أو لا يناموا هذه الليلة، لكن أن يكونوا قد أدوا وأنجزوا عملهم قبل هطول الأمطار. لا نريد من المحافظ أو الوزير أو مسئول المحليات أن يشفطوا المياه بأنفسهم، بل أن يتخذوا سياسات تقلل قدر الإمكان من غضب الطبيعة.
ختاما أتمنى أن تدرس الحكومة والدولة فكرة إنشاء لجنة قومية بصلاحيات واسعة تناقش بهدوء قضية التغيرات المناخية وتأثيرها على مصر، وما الذى ينبغى أن نفعله، سواء بصورة عاجلة أو آجلة، وأن يتم فتح نقاش مجتمعى حقيقى ــ وليس كروتة ــ فى هذه القضية حتى لا نتفاجأ بغضب الطبيعة الحقيقى الذى لم نجربه حتى الآن!!