بقلم: عماد الدين حسين
الهجمات التى شنتها ميليشيات الحشد الشعبى فى العراق قبل أيام على مواقع القوات الأمريكية والبريطانية فى معسكر التاجى، ورد القوات الأمريكية عليها يعيد طرح السؤال المهم مرة أخرى: من الذى يعطى الأوامر للحشد الشعبى فى العراق: الحكومة العراقية، أم الإيرانية؟!.
هذه التطورات تجعلنا نكرر السؤال بصيغة مختلفة: ومن الذى يعطى الأوامر لحزب الله فى لبنان: الحكومة اللبنانية وبرلمانها، أم الحكومة الإيرانية؟!. ومن الذى يعطى الأوامر للحوثيين: الحكومة اليمنية أم الحكومة الإيرانية؟!.
الأسئلة الثلاثة السابقة مهمة لنعرف حقيقة دور الميليشيات المسلحة فى بعض البلدان العربية، وهل ولاؤها لبلدانها وشعوبها، أم صارت مرتهنة لأطراف خارجية؟!.
من يقرأ المقدمة السابقة، سيتبادر إلى ذهنه فورا، أننى أبرر للولايات المتحدة اغتيالها قبل أسابيع لرئيس فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى الفريق قاسم سليمانى، ومعه مجموعة من أهم قادة الحشد الشعبى العراقى، على رأسهم أبومهدى المهندس. ولهؤلاء المتشككين أبادر بالقول: إن الإدارة الأمريكية تمارس منذ زمن طويل سياسة البلطجة السافرة. ورأيى أن ما تفعله فى العراق، خارج تماما عن أى قانون، إلا قانون الغاب.
وقد يسأل آخرون: ولماذا تركز فقط على ثلاثة أو أربعة تنظيمات، تنتمى جميعها للطائفة الشيعية، أهو انحياز مذهبى منك ضد هذه التنظيمات؟!.
والإجابة مرة ثانية هى: لا. فأنا ضد أى ميليشيا مهما كان اسمها خارج نطاق الجيوش الوطنية، سواء كانت سنية أو شيعية، عربية، أم كردية، قبلية أم مدنية، إخوانية أم سلفية؟!.
وبديهى أننى ضد كل التنظيمات السنية المسلحة من «أنصار بيت المقدس» والقاعدة مرورا بأنصار الشريعة نهاية بداعش، وكتبت أكثر من مرة منتقدا «الميليشيات السنية» التى تأتمر بأمر تركيا وجماعات الإسلام السياسى خصوصا فى سوريا وليبيا.
الفارق المهم أن التنظيمات السنية، نشأت أساسا خارج القانون، وهى متمردة، وتحارب الدول الوطنية، فى حين أن غالبية التنظيمات الشيعية المسلحة نشأت بصورة شبه قانونية، وتعمل فى العلن وبالتوازى مع الدولة نفسها.
وغالبية التنظيمات السنية المسلحة، تحاربها أجهزة الأمن الرسمية، والقانون يجرمها، المشكلة الحقيقية مع التنظيمات التى نشأت وتعملقت فى العراق ولبنان واليمن، وصارت تتقمص فى أحيان كثيرة دور الدولة نفسها، ولكن انطلاقا من نظرة مذهبية عابرة للحدود وليست نظرة وطنية.
حزب الله فى لبنان أدى دورا عظيما، حينما تصدى للاحتلال الإسرائيلى للبنان، منذ تأسيسه أوائل التسعينيات من القرن الماضى. غالبيتنا كعرب دعمنا هذا الحزب، وهتفنا لمقاتليه، وقائده الشيخ حسن نصر الله فى مظاهرات عمت معظم الشوارع العربية بعد تحريره الجنوب عام 2000، وحتى تصديه الباسل للعدوان الصهيونى على الجنوب فى ٢٠٠٦.
لكن بعد ذلك طغى الوجه المذهبى على الحزب، وصار دولة داخل الدولة اللبنانية، وحينما اختلف مع آل الحريرى وكل معارضيه احتكم إلى سلاحه، رغم أنه أقسم مرارا وتكرارا بأن سلاحه موجه فقط ضد الإسرائيليين. هو قرر أن يحارب مع الجيش السورى ضد المعارضين والمتطرفين والإرهابيين، وهو قرار ــ بغض النظر عن تأييده أو معارضته ــ اتخذ على أساس مذهبى، وليس على أساس وطنى. بعد اغتيال سليمانى قال زعيم الحزب حسن نصر الله أن القصاص له من الأمريكيين واجب على كل المقاومين، وهو أمر يعنى أنه يتعامل على أساس أممى شيعى، وليس على أساس وطنى لبنانى.
نفس الأمر مع فارق الدرجة ينطبق على «الحشد الشعبى» العراقى. نظريا هو تشكل بمشورة إيرانية، لمحاربة داعش، ولعب دورا مهما فى التصدى لهذا التنظيم الإرهابى، لكن حينما انتهت مهمته لم يندمج «فعليا» فى الجيش العراقى!.
وفى الصراع الإيرانى مع أمريكا وإسرائيل، فإن قادة هذا الحشد يقولون علنا إنهم سيحاربون مع إيران. السؤال المنطقى هو: ولماذا تورطون دولتكم، فى حرب قد لا تريد خوضها الآن؟ وهى نفس المعضلة التى تواجه الدولة اللبنانية مع حزب الله.
أما مشكلة الحوثيين فى اليمن، فهى أكثر بؤسا، فهؤلاء لم يكتفوا فقط بأن يكونوا ذراعا لإيران، ولكنهم انقلبوا على الشرعية بأكملها واختطفوا اليمن، وحولوه إلى شوكة إيرانية فى ظهر دول الخليج خصوصا السعودية.
الخطورة الحقيقية هى وجود ميليشيات خارج نطاق الجيش الوطنى، كما هو موجود فى طرابلس الليبية الآن. كتائب وميليشيات حاربت القذافى، ثم حاربت نفسها، واستقل كل منها بمنطقته، وهى الآن صارت ذراعا وأداة فى أيدى رجب طيب أردوغان.
حينما تتكون أى ميليشيا قد تكون أهدافها بريئة مثل مواجهة إسرائيل أو التصدى للإرهاب، لكن كل ذلك يتحول إلى شماعة، وسرعان ما تحاول هذه الميليشيات سرقة دور الدولة نفسها، أو تعطيل عملها. والمفارقة أن كل هذه التنظيات تدين لإيران بالولاء، حتى يمكن السيطرة على البلدان العربية الأربعة العراق وسوريا ولبنان واليمن، فهل كان ذلك مصادفة أم مخططا قديما؟!.