فيروس التوك توك القاتل ينتشر ويتوغل فى معظم أنحاء الجمهورية، ناشرا معه ثقافة الفوضى والعشوائية وانهيار القيم بشكل عام.
للمرة المليون، لا أهاجم سائقى التوك توك المغلوبين على أمرهم، فهم ضحايا أيضا، لكن أهاجم المتآمرين الذين أدخلوا هذا العفريت، بشكله الراهن لمصر، والذين سمحوا باستمراره وتحوله إلى واحد من أهم مظاهر الانحطاط فى البلاد.
وباستثناءات قليلة فإن التوك فرض سيطرته على غالبية الشوارع التى كنا نظن أنه لن يصلها!. بل شاهدته يوم الجمعة الماضى يسيرعكس الاتجاه فى مطلع الطريق الدائرى من محطة الزهراء عند أثر النبى، من دون أن يرمش له جفن!!.
هذه المركبة اللعينة تصيبنى بالتوتر والانفعال عندما أراها، لأنها تجسد من وجهة نظرى المشكلة الأخطر التى نواجهها الآن وسنواجهها فى المستقبل.
هى شكلا تمثل القبح واللون الكالح، ومضمونا تمثل الفوضى واللانظام فى البلد.
ليجرب أحدكم أن يسير فى أى شارع رئيسى فى أى منطقة شعبية أو مركز أو بندر بأى محافظة على امتداد الجمهورية.
يوم الخميس قبل الماضى كنت أسير فى شارع الجلاء الرئيسى بمركز القوصية بمحافظة أسيوط. السيارات الملاكى، أو حتى الربع نقل تكاد تتلاشى، فى حين أن التوك توك يحتل المساحة الأكبر من الشارع.
أصحابه لا يدعون لك الفرصة لتسير على قدميك، لا يعترفون بقانون أو نظام، يهجمون على أى مساحة خالية ليحتلوها، لا يبالون بسلامة الآخرين، لأنهم لا يبالون أصلا بسلامتهم الشخصية.
غالبيتهم شباب صغير السن، ترك الدراسة أو تسرب منها، أو حصل على دبلوم فنى، ولا يعرف فى الغالب كيف يكتب اسمه، أو هو نبيه ومتفوق، لكن ظروف الحياة القاسية ألقته فى هذا اليم متلاطم الأمواج.
أعرف أن التوك توك يحل مشاكل التنقل فى المناطق المزدحمة، وأعرف أن عددا كبيرا صار يرتزق منه، لكن ما أنا متأكد منه أن أضراره، خصوصا الأخلاقية أخطر وأفدح تريليون مرة، من أى مزايا جانبية قد يحققها.
هذه المركبة اللعينة غير مرخصة، وبالتالى غير قانونية، وسائقوها لا تعرف الدولة والحكومة وأجهزة الأمن عنهم شيئا.
نحن تركناهم فى الشارع من دون أى حماية أو تربية أو تأهيل أو تعليم، وبالتالى صاروا أبناء هذا الشارع، فشربوا منه أسوأ وأحط ما هو موجود فيه من قيم منهارة.
جربوا أن تستمعوا إلى لغة التخاطب بين هؤلاء السائقين فى أى مكان!. وياحبذا لو كان الحوار بين مجموعة من هؤلاء، وأخرى من سائقى الميكروباص، وسوف تكتشفون إلى أى مرحلة وصلنا!!.
كنت أعتقد واهما أن هذه المركبة التى قد تكون مفيدة فى القرى والأماكن النائية الخالية من المواصلات العامة، لن تصل إلى الشوارع الرئيسية فى القاهرة الكبرى، حتى فوجئت به يسير فى شارع قصر العينى، وبعدها بيومين فوجئت به فى شارع الكورنيش ناحية جاردن سيتى حيث الفنادق الكبرى، وعندما حكيت لبعض الأصدقاء قالوا إنه وصل إلى غالبية الشوراع الرئيسية التى كانت محرمة عليه.
المفاجأة الكبرى أن أصحابه كانوا يلتزمون بخطوط حمراء لا يتجاوزونها. الآن سقطت كل هذه الخطوط، وصار أصحابه أخيرا يسيرون فى شارع سليمان أباظة الذى تقع فيه وزارات التعليم والإسكان والتعليم والإنتاج الحربى والخزانة العامة، وخلف مجلس الوزراء والنواب ووزارة الصحة.
كانوا يأتون كل أسبوع مرة أو مرتين من ميدان السيدة زينب عبر شارع خيرت، الآن حولوا بالتحالف مع ميكروباصات السيدة عائشة حياة سكان المنطقة إلى جحيم.
أجهزة الأمن بذلت جهودا كثيرة وشنت حملات مداهمة كثيرة، ضدهم وضد الباعة الجائلين المتحلقين حول محطة مترو سعد زغلول. لكن للأسف الشديد فهى ذات نفس قصير.
وهذا التحالف الشيطانى فهم قواعد اللعبة. ينسحبون مؤقتا لمدة ساعة أو ساعتين، ثم يعود كل شىء إلى قواعده سالما غانما!!.
القصة بالطبع ليست هذه المنطقة بمفردها، فتلك الصورة متكررة فى غالبية شوارع مصر، وربما بصورة أسوأ بكثير.
الهدف من وراء كل الكلام السابق هو: كيف يمكننا أن نبنى أن هذا البلد، بمثل هذه النوعية من البشر، وهذا النوع من السلوك العشوائى؟!
للأسف الشديد من دون تنظيم هذا السيرك وفرض القواعد والقوانين عليه، فإن هذه الغوغائية، سوف تنسف أى جهد للبناء، حتى لو تكلف مليارات الدولارات..
نحتاج لتربية الناس أولا!!.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع