بقلم - عماد الدين حسين
هل كان مطلوبا أن يتم إلغاء أو تأجيل المؤتمر الدولى للشباب فى شرم الشيخ، حدادا على الحادث الإرهابى الذى وقع بحق دير الأنبا صمويل المعترف فى الطريق الصحراوى قبالة مركز العدوة بالمنيا؟!
سمعت هذا السؤال من بعض الزملاء، وبعض رواد مواقع التواصل الاجتماعى، مساء الجمعة ويوم السبت الماضيين. والإجابة الواضحة والمباشرة والقاطعة هى لا، فليس تلك هى الطريقة الصحيحة للتضامن مع الضحايا وذويهم، بل ربما أن هذا التصرف لو تم، فسنكون حققنا بالضبط ما كان يهدف إليه الإرهابيون الذين نفذوا الهجوم، وبالأحرى الذين أعطوا لهم التكليف ومولوا عمليتهم، ووفروا لها المنصات الإعلامية المتنوعة لدعمها والترويج لها بأساليب كثيرة، بعضها مباشر فج، وآخر ملتوى وماكر.
أحد الأهداف الرئيسية للإرهابيين فى مصر والمنطقة، هو أن يفرضوا علينا نمط حياتهم هم، لنصبح مثلهم.
أحد أشكال المقاومة للإرهاب والتطرف أن نرفض ذلك، وأن نصر على أن تستمر حياتنا بالطريقة الطبيعية.
لأن ذلك ــ ضمن أشياء أخرى ــ سوف يقنع الإرهابيون أنهم مهما فعلوا فلن ينجحوا فى تحقيق أهدافهم.
لنفرض أنه تم إلغاء مؤتمر الشباب، أو تأجيله وترك الرئيس عبدالفتاح السيسى وكبار المسئولين شرم الشيخ، وتوجهوا إلى المنيا، فما الذى كان سوف يعنيه ذلك؟!.
سيعنى أن تتوقف الحياة تماما، وأن تسير فقط بالطريقة التى يريدها الإرهابيون.
لنتخيل أن ذلك قد حدث وتم إلغاء المؤتمر، ثم وقع ــ لا قدر الله ــ حادث إرهابى آخر بعد أسبوع أو اثنين، وكان هناك حدثا مهما فى البلاد، فهل نقوم بتأجيله وإلغائه أيضا، وإذا استمرت نفس الأسطوانة، فما الذى يعنيه ذلك؟!
يعنى ببساطة أن نترك الإرهابيين يحددون جدول أعمال المجتمع، ويخطفوه تماما لطريقتهم فى الحياة.
يقول البعض أيضا كان من المفترض ألا يكون هناك احتفال مساء الجمعة على المسرح الجديد فى مدينة السلام بشرم الشيخ، مراعاة لمشاعر الضحايا!
الإجابة هى نفسها.. الحياة لابد أن تستمر، والتضامن مع الضحايا له مليون طريقة غير تجميد الحياة وتوقفها وهو ما يريده الإرهابيون، علما أن وزيرتى التضامن والصحة غادة والى وهالة زايد قطعتا الزيارة لشرم الشيخ وتوجهتا إلى المنيا لزيارة المصابين واتخاذ الإجراءات اللازمة.
قد يكون من الملائم طبعا ألا تكون هناك مظاهر فجة فى الوقت الذى يكون فيه دم الضحايا ما يزال نديا.
لكن الفلسفة التى يقف خلفها أصحاب هذه الأصوات خاطئة تماما، رغم أن معظمها ينطلق من حسن نية حقيقية، انطلاقا من عادات وتقاليد مصرية مواغلة فى القدم. وأذكر مثلا ونحن فى الصعيد منذ عشرات السنين أنه عندما كان يموت شخص فلا تتم أى حفلات خصوصا للزواج لمدة سنة، ولا يتم تشغيل التليفزيون لمدة أربعين يوما مثلا، وكأن ذلك يعنى احترام الميت.
أتصور أن الكبار الذين خططوا لجريمة يوم الجمعة الماضى، اختاروا التوقيت بعناية من أجل أولا إفساد مؤتمر الشباب من جهة، والإيحاء بأن الحكومة وأجهزتها تقيم مؤتمرا احتفاليا فى شرم الشيخ، فى حين أن دماء الضحايا لم تكن قد جفت بعد.
هذا تخطيط ماكر ولئيم لاشك وللأسف فإنه يجد بعض الصدى فى قطاعات مختلفة خصوصا على وسائل التواصل الاجتماعى وبعض القطاعات الشعبية.
الذين خططوا للجريمة ومولوها، يحاولون منذ زمن طويل إفساد العلاقة بين المسلمين والمسيحيين. لكنهم فشلوا فى الماضى، وإن شاء الله سوف يفشلون فى المستقبل. لكن لكى نتأكد من فشلهم، فلابد أن يكون هناك واجب ممنهج ومستمر، يجب أن يبذله الجميع من أصغر مواطن إلى أكبر مسئول مرورا بكل الهيئات والمؤسسات والوزارات والأجهزة والمجتمع المدنى بأكمله.
الذين يخططون منذ زمن للفتنة الطائفية والمذهبية. نجحوا فى أكثر من مكان بالمنطقة، هم فشلوا فى مصر، لكن من الواضح أنهم لم ييأسوا بعد. والمطلوب أن نجعلهم يصابون باليأس، وهذا لن يتم بالكلمات المعسولة والشعارات المستهلكة، ولكن بمعالجة كل الثغرات التى ينفذ منها الإرهابيون والمتطرفون، وإذا فعلنا ذلك، فلن يتحدث أحد عن تأجيل مؤتمر أو احتفالية، لأن الأمر وقتها لن يكون مطروحا للنقاش من الأساس.
نقلا عن الشروق القاهرية