بقلم - عماد الدين حسين
لو أن العالم يسير بصورة مثالية، لتحول الناس إلى ملائكة، وما كانت هناك جنة ولا نار.
هذا العالم الذى نعيشة ملىء بالأشرار والأوباش والسفاحين والمستبدين والفاسدين، لكنه ملىء أيضا بالطيبين والنبلاء والمتسامحين والعادلين والأطهار. المشكلة التى تواجه كثيرين هى أنهم يعتقدون أن القواعد المثالية ينبغى أن تكون هى الحاكمة، ولها الكلمة العليا، وعندما لا يتحقق ذلك، يصابون باليأس والإحباط والقنوط، وربما يدفعهم ذلك إلى الانعزال بل وهجر الحياة بكاملها.
لا أتحدث عن شخص أو دولة بعينها بل عن ظاهرة تتكرر فى الكثير من بلدان العالم.
والذى دفعنى إلى الكتابة عن هذا الموضوع تحديدا، أننى سمعت عبارة «العالم ملىء بالأشرار والأوباش» كثيرا فى الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع موجة عاتية من صعود اليمين المتطرف العنصرى فى العديد من بلادن العالم، وآخرها البرازيل. وموجة أخرى من كراهية الأجانب وفى مقدمتهم الأفارقة، فى أوروبا وأمريكا، وموجات لا تتوقف من الحروب الأهلية والعرقية والطائفية، للأسف فإن معظمها يدور فى منطقتنا العربية والإسلامية، ونشهد فيها وبسببها العديد من الجرائم الوحشية التى لم نكن نتصور وجودها.
كان جدنا الأول آدم يعيش فى الجنة، ثم خرج منها حينما عصى أمر ربه، وأكل التفاحة، وبعدها قتل قابيل شقيقه هابيل ولم يكلف نفسه حتى دفن جثته بصورة لائقة، وجاء الغراب ليعلمه كيف يوارى سوءة أخيه!!.
منذ هذه اللحظة، والظلم والقهر والقتل والتجبر لم يتوقف فى العالم، والمؤكد أنه لن يتوقف حتى تقوم الساعة، ونقف جميعا أمام الله الواحد القهار، ووقتها سيتلقى الطغاة الجزاء العادل.
لكن إلى أن يحدث ذلك، فإن المتجبرين سيواصلون تجبرهم، سيرتكبون الجرائم ولن يحاكمهم أحد، لأنهم يملكون الكثير من عناصر القوة، التى تتيح لهم الإفلات بجرائمهم.
لكن هل هذا حكم نهائى يعنى أن أبواب العدل موصدة، ولن تفتح إلا يوم القيامة؟!.
الإجابة هى لا. لأن الأمم الحية والعفية تمكنت من بلورة وصياغة سياسات مكّنت مجتمعاتها من إقامة دولة القانون، التى تستطيع فى مرات كثيرة من تحقيق العدل ولو بصورة نسبية.
القهر والظلم والفساد والتعذيب، موجود فى كل مكان بالعالم. الفارق الوحيد أن بعض الدول تمكنت من ترويضه والتحكم فيه وتقليله، فى حين لم تنجح دول أخرى كثيرة، للأسف معظمها موجود فى العالم الثالث، الذى ننتمى إليه.
حينما ينتشر الفقر والجهل تزيد فرص الاستبداد، لكن المفارقة أن الاستبداد ليس قاصرا فقط على البلدان الفقيرة، فهو ينتشر أيضا فى بلدان غنية جدا، لدرجة تدفع البعض للحديث عن ظروف وأحوال معينة تجعل شعبا أو شعوبا لديها القابلية للاستعباد أو الاستبداد أو حتى الاستعمار!.
انتصار الظلم والقهر، ليس قدرا محتما طوال الوقت، وكلما زادت معدلات التنمية والبناء، وتحسن مستوى التعليم والصحة، وارتفع معدل المشاركة والتوافق، كلما تحسنت مستويات حياة الشعوب.
من سوء الحظ أن الصورة العامة فى المنطقة العربية خصوصا فى تلك البلدان التى ضربها فيروس الإرهاب، تقول إننا سوف نحتاج إلى وقت طويل حتى تبدأ هذه البلدان فى التعافى.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع