بقلم: عماد الدين حسين
طوال الشهرين الماضيين، كان أحد الأصدقاء الأعزاء يتصل بى بصورة شبه يومية تقريبا، ويسألنى سؤالا متكررا: إيه أخبار التعديل الوزارى؟!
وكانت إجابتى الثابتة هى: «والله لا أعرف». الصديق كان يمازحنى، ويقول إن مصادرى صارت ضعيفة، وتعبانة جدا، لأننى غير قادر على معرفة الوزراء الجدد، وهل التعديل سيكون محدودا أم تغييرا شاملا؟
كنت أرد على الصديق، وأقول له إن الحكومة نجحت بالفعل هذه المرة، فى فرض حصار من السرية على مشاورات التعديل الوزارى، إلى حد كبير، لدرجة دفعت أحد المصادر المهمة للاعتقاد بأن التعديل قد تأجل تماما إلى الصيف المقبل، وهو لا يعلم أنه سيتم بعد أيام قليلة.
ربما يكون هذا التعديل هو الأكثر استغراقا للوقت، منذ تسرب المعلومات الأولية عن إجرائه، وحتى حدوثه بالفعل. وأغلب الظن أن السبب فى هذا التأخير يعود إلى البحث عن أفضل الكفاءات ليس فقط الوزراء، ولكن عن نوابهم حيث جرى تعيين ١١ نائبا.
فى الماضى كانت قنوات وطرق معرفة الصحفيين للتعديلات الحكومية أسهل بكثير مما يحدث الآن. قبل يناير ٢٠١١، كانت معظم مشاورات التعديلات الوزارية تتم داخل مقر مجلس الوزراء نفسه، وربما يكون المهندس أحمد نظيف، هو الذى نقل المشاورات خارج المقر إلى القرية الذكية بحكم وجوده فيها خلال ترؤسه لوزارة الاتصالات، قبل تعيينه رئيسا للحكومة، وظل مرتبطا بالقرية الذكية لفترات طويلة.
فى عهد حكومة المهندس إبراهيم محلب كان يمكن للصحفيين الذهاب إلى مقر شركة المقاولين العرب على كورنيش النيل بالمعادى، أو أحيانا إلى نادى تجديف المقاولين العرب قرب منزل الرئيس الأسبق أنور السادات فى الجيزة، القريب من فندق شيراتون، حيث كان يلتقى بعض المرشحين للوزارة.
وكان الصحفيون فى كل الأحوال قادرين على الوصول لمصادر تخبرهم بالمرشحين للحكومة. الآن نجحت حكومة مدبولى فى إجراء المشاورات فى سرية شبه تامة، وبالتالى تركت غالبية الإعلاميين يمارسون لعبة التخمين والتكهن وربما ضرب الودع، وبعضها كان خارج الواقع تماما. بما يذكرنا بالشخصية الكرتونية الشهيرة «عبده مشتاق» التى ابتكرها الراحل الكبير أحمد رجب، ورسمها بمهارة فى «الأخبار» المبدع مصطفى حسين رحم الله الاثنين. الشخصية هى عبده مشتاق الذى كان يعرض نفسه دائما على رئيس الوزراء، حتى يتم توزيره. ويقال إن «أولاد الحلال» رتبوا مقلبا معتبرا لشخصية عامة كبيرة، فى أوائل الألفية الجديدة، حينما اتصلوا به من تليفون أرضى، وقالوا له نحن مراسم مجلس الوزراء، وحينما وصل إلى هناك ممنيا نفسه بالحصول على المنصب، بعد طول انتظار، فوجئ أن الأمر بأكمله مقلب غير ظريف!!!.
أظن أن الأمر اختلف تماما الآن، فلم يعد منصب الوزير مغنما لكثيرين، وصار البعض يعتذر عنه، لأنه يعرف التكلفة النفسية والعصبية والأسرية العالية التى سيدفعها نظير هذا المنصب، ولن يحصل فى المقابل، على ما كان يحصل عليه زميله قبل يناير ٢٠١١ من هيبة ونفوذ و«برستيج» وربما مغانم مادية كثيرة. هو سيتعرض لحملات إعلامية وفيسبوكية متنوعة، قد تقلب حياته جحيما، خصوصا فى ظل غياب أى قواعد أو معايير قانونية صارمة فيما يتعلق باحترام الخصوصية فى وسائل التواصل الاجتماعى، أو حتى فى وسائل الإعلام التقليدية، التى صار بعضها يرتكب موبقات خارج كل عرف أو قانون فيما يتعلق بالأخلاقيات العامة.
هذه السرية فى مشاورات التعديل، دفعت بعض الصحفيين، إلى المبالغة فى لعبة التكهنات والتخمينات، بل والوقوع فى فلك الترويج لأسماء ليست مرشحة من الأساس، لكنها تحب أن تكون فى دائرة الضوء كى تحمل لقبا غير موجود فى العالم بأكمله إلا فى مصر، وهو «مرشح سابق لوزارة كذا»!!. ولا أعرف ماذا يعنى هذا اللقب، الذى قد يدعى الكثيرون أنه كان مرشحا له فى وقت من الأوقات!!
حاولنا فى «الشروق» الوصول إلى حقيقة المرشحين، ونجحنا نسبيا، حينما نشرنا فى ٢٤ نوفمبر الماضى تقريرا فى الصحيفة وقبلها فى بوابة «الشروق»، عنوانه: «بالأسماء.. المرشحون فى التعديل الوزارى» ثبت أنه صحيح بنسبة 60٪ تقريبا.
ورغم ذلك فإن الدكتور مصطفى مدبولى وفريقه المعاون ومكتبه الإعلامى، نجح بنسبة كبيرة فى فرض جدار سميك من السرية على مشاورات التعديل، وهو ما نرجو ألا يتكرر فى التعديلات أو التغييرات المقبلة.