بقلم: عماد الدين حسين
قبل أيام اتصل بى أحد بلدياتى الصعايدة ويعمل فى الكويت، ولفت نظرى إلى شىء مهم جدا، وهو أهمية «الجروبات» التى تتناول حياة وأحوال المصريين فى الكويت هذه الأيام.
القصة باختصار أن السلطات الكويتية وفى إطار إجراءات مكافحة كورونا تسعى إلى ترحيل العمالة المخالفة، غير المرخصة من كل الجنسيات. وقد تقدم أكثر من سبعة آلاف مصرى ليس معهم إقامة قانونية. هؤلاء تم تجميعهم فى أماكن إقامة مؤقتة داخل مدارس ومؤسسات حكومية، تمهيدا لترحيلهم. القصة الآن تتعلق بتوفير رحلات طيران، وقبولهم قواعد العودة وأهمها الخضوع للحجر الصحى لمدة أسبوعين.
ولأن هناك العديد من الجاليات المصرية فى الخارج التى ربما تنطبق عليها نفس الظروف، ويريدون العودة لبلدهم، وليس بالضرورة مخالفين لقوانين الإقامة، لأن مفهوم «عالق» ينطبق على فئات كثيرة من طلبة أو سائحين أو من كانوا فى مهمات سريعة، مثلا تقطعت بهم السبل بعد إغلاق المطارات.
العودة إلى الوطن صارت قضية مهمة وملحة لكل جالية. البعض بحسن نية أو بسوء نية استغل هذا الظرف، وقام ببث الشائعات حينا، وأنصاف الحقائق حينا آخر، والنتيجة هى المزيد من البلبلة والتحريض على الدولة والبلد.
قبل هذه القضية كنت قد شاهدت فيديو لمجموعة من المصريين نحو ٢٧٠ عاملا وموظفا فى شركة أمن قطرية. هم يقولون فى الفيديو إن السلطات هناك أنهت أعمالهم وخدماتهم، منذ أسابيع ولم يتبين سبب ذلك. المهم هؤلاء المصريون يريدون العودة لوطنهم بأى طريقة، لكن مشكلتهم أعمق، لأنه لا يوجد أى طيران مباشر بين القاهرة والدوحة بعد قطع العلاقات منذ يونيو ٢٠١٧.
فى مثل هذه الجروبات، ومع غياب الحقائق والمعلومات والبيانات الصحيحة، لابد من وجود تصور مختلف للتعامل مع مثل هذه القضايا. لم يعد الأمر فقط يتطلب إصدار بيان من وزراء الخارجية أو السفارة أو القنصلية أو المكتب العمالى فى الدولة المعنية، بل يحتاج إلى ما هو أكبر.
أتصور أن أى سفارة مصرية فى الخارج، خصوصا فى الدول التى تتواجد فيها جاليات مصرية كبيرة العدد، لابد أن يكون هناك مشاركة وتداخل ملموس فى مثل هذه الجروبات. ما العيب أن يقوم المستشار العمالى المصرى أو أى مختص فى السفارة بالتواجد على مثل تلك الجروبات، والتواصل مع المصريين هناك بالأخذ والرد والتوضيح لكل ما يثار من مشاكل وقضايا. بعض العالقين لديه مشكلة كبيرة تتعلق بانقطاع رزقه وبعضهم لديه مشاكل تافهة، مثل أنه لا يريد أن يخضع للعزل ويجرى اتصالات للعودة إلى بيته من المطار مباشرة.
غياب هذا التواجد والتواصل الرسمى والمستمر والفاعل مع المصريين، يجعل المشكلات الصغيرة تتزايد بصورة كبيرة، وما كان يمكن أن يتم حله برد أو توضيح بسيط، يتحول إلى قضية كبيرة وسوء فهم أعمق. بل إن أحد المصريين بالكويت قال إنه يقود أحيانا إلى ضعف الانتماء. وقد رأيت قبل أيام قليلة أحد ممثلى السفارة المصرية وهو يتحدث إلى العالقين فى الكويت، وهى بداية جيدة.
داخل الجالية المصرية بالكويت هناك بعض الكارهين لحكوماتهم ونظامهم، ويطلقون الشائعات فى كل اتجاه، وهدفهم الوحيد هو أن يكفر كل المصريين بدولتهم ونظامهم.
وبالطبع فإن هؤلاء يستغلون بعض الأوضاع الصعبة التى يواجهها العالم كله بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، خصوصا إغلاق المطارات وتوقف الحركة تماما وضرورة الخضوع للعزل.
لا ألوم غالبية المصريين المغتربين، وكان الله فى عونهم فى مثل هذه الظروف الصعبة، فكل شخص منهم يتمنى أن يعود إلى بيته وبلده بعد أن أدرك قيمة الوطن فى مثل هذه الظروف الصعبة، لكن ألوم بعض مطلقى الشائعات وألوم قبلهم عدم التحرك الحكومى السريع الذى لا يحتاج أموالا فى مرات كثيرة، بقدر ما يحتاج إلى توضيحات بسيطة.
الإشاعات والأكاذيب تملأ الأجواء. وبعض المصريين بالكويت يصدقون الشائعات غير المنطقية ومنها مثلا أن وزارة الهجرة تقول إن الأولوية لنقل المصريين الموجودين بالمالديف!.. وبالتالى ومع ضعف وسائل الإعلام التقليدية، وزيادة دور وسائل التواصل الاجتماعى، فقد حان الوقت لتفكر الحكومة المصرية، خصوصا وزارة الخارجية فى أفكار وحلول غير تقليدية تتناسب مع الوضع الراهن.