على مدى يومى ١٧ و١٨ فبراير الماضى كتبت مقالين الأول كان بعنوان: «مغزى القبض على عنان وجنينة وأبوالفتوح»، والثانى بعنوان «قواعد اللعبة الجديدة».
المقالان كانا عبارة عن محاولة لقراءة وتحليل موضوعى للمشهد السياسى وقتها من دون إبداء رأى مع أو ضد.
البعض أعجبه ما كتبت ظنا أنه يؤيد وجهة نظره، والبعض الآخر هاجمه بعنف ظنا أنه ضد وجهة نظره. والغريب أن التأييد والمعارضة يومها كان داخل كل معسكر، أى المؤيدين والمعارضين.
ما الجديد فيما سبق، خاصة أن أى مقال يفترض أن ينال التأييد أو المعارضة، كما أن بعض المقالات من دون طعم لا يشعر بها أحد؟!.
الجديد أن صديقا عزيزا، أقرب إلى المعارضة، قال لى إن بعض المعارضين يعتقدون أن الحكومة طلبت منى أن أكتب هذه المقالات، لأنها تثبت وضعا قائما، وتصيب المعارضين باليأس والإحباط. وصديق آخر وصفها بأنها مقالات شجاعة توصف الحال الصعبة التى تعيشها مصر فى هذه الأيام على حد قوله.
لماذا أسرد هذا الكلام الذى قد يبدو تضييعا لوقت القارئ؟!.
لسبب بسيط هو الحيرة التى يشعر بها كل من يحاول أن يحترم قلمه، فيتلقى السهام والطعنات والبذاءات من كل من هب ودب.
كل طرف يحاول أن تكون معه على طول الخط، وإلا فالبديل أن يتم اتهامك بالعمالة والخيانة، وقائمة من التهم المكررة التى لا تنتهى.
المشكلة الآن أن أى كاتب يريد أن يحترم نفسه وقلمه، سيجد نفسه مضطرا إلى شرح نفسه فى كل كلمة أو عبارة أو فقرة أو مقال أو تحليل.
بعض أصحاب النوايا الحسنة ومعهم غالبية الجهلاء، يريدك أن تقف فى معسكره فقط وإلا فإنك مارق ينبغى التربص به فى كل لحظة.
مشكلة هؤلاء وهى نفسها المشكلة الأبرز فى الإعلام المصرى، أن الكثيرين لا يتصورون أن هناك آراء ثالثة ورابعة وخامسة فى أى قضية، وأنه ليس بالضرورة، أن يكون رأيك أو رأيى هو الصحيح، فربما هناك رأى ثالث أصح، أو هناك احتمال أكبر بأن بعض رأيك وبعض رأيى هو الأقرب إلى الصواب. وقد تكون على صواب اليوم وعلى خطأ غدا.
لا يوجد أحد منا منزه عن الخطأ، ولا يوجد من هو على صواب طوال الوقت أو العكس. نحن بشر نصيب ونخطئ، لكن الأهم أن نتعلم من الخطأ ونتعلم أن نكون منصفين وموضوعيين.
بجانب حسنى النية، هناك المتربصون الذين يصطادون لك كلمة من هنا أو تعبيرا أو مداخلة من هناك، وينزعها من سياقها، ثم يعرضها على العامة، ليظهرك بأنك تناقض نفسك!!. هؤلاء لا يكلفون أنفسهم شجاعة عرض هذا الكلام بالكامل وفى سياقه الصحيح زمانا ومكانا.
أدرك تماما أنه يصعب أن نرضى المتربصين فى هذا المعسكر أو ذاك، وبالتالى علينا أن نتحمل رذالتهم.
لكن ما يحز فى النفس ما يأتى ممن نظنهم يتمتعون بالقدر الكافى من العلم والدراية والتقدير السليم للأمور. هؤلاء يعيبون على البعض استخدام نظرية المؤامرة، لكنهم أيضا صاروا يقعون فى نفس الفخ، وهو التعامل مع كل شىء باعتباره مؤامرة حتى لو كان مقالا عابرا، أو تعليقا على حدث طارئ.
قلت لصديقى الذى بدأت به الكلام: وهل حينما انتقدت فى الأسابيع الأخيرة بعض التصرفات فى قضية التعامل مع بى بى سى أو حبس خيرى رمضان، أو «قوى الشر» أو «تنفيس البخار يضعف القنوات الإخوانية» أو «ما يحتاج اليه أهالى سيناء» أو «الأخطار الثلاثة التى تهدد النظام» أو «سر انزعاج الصحفيين من غياب المنافسة» أو «ذا بوست»..هل عندما كتبت هذه المقالات، كانت الحكومة أيضا هى من طلبت منى ذلك أم أنها المعارضة هذه المرة؟
حينما يخف الاستقطاب، وتهدأ النفوس، ستعود الأمور إلى طبيعتها، وتعود للكلمة الصحيحة والصادقة قيمتها واعتبارها، وإلى أن يحدث ذلك، فنحن مضطرون إلى تحمل الكثير من البذاءات، هنا وهناك، ومحاولة تعلم الترفع عنها!
نقلًا عن الشروق القاهرية