بقلم - عماد الدين حسين
لسنوات طويلة تعودنا على رؤية الأوروبيين والروس والغربيين بصفة عامة يتجولون فى شرم الشيخ، الآن صار ممكنا رؤية الأفارقة أيضا، ليسوا كسائحين ولكن كمشاركين فاعلين فى سياحة المؤتمرات.
فى الفترة الأخيرة صارت المؤتمرات والمنتديات التى تهتم بإفريقيا والأفارقة متنوعة وكثيرة خصوصا فى شرم الشيخ، فى الصيف الماضى، كان هناك مؤتمر البنوك المركزية الإفريقية، وقبل أسابيع قليلة كان هناك منتدى شباب العالم. وأمس الأول الاثنين انتهت الدورة الثالثة لمنتدى «إفريقيا ٢٠١٨» التى نظمتها وزارة الاستثمار بمشاركة العديد من رؤساء الدول الافريقية وكبار المسئولين وأكثر من ثلاثة آلاف شخص.
فى هذه الفعاليات وغيرها يمكن تلمس أن مصر الرسمية صارت تتجه فعلا مع إفريقيا.
يوما السبت والأحد الماضيين كنت موجودا فى شرم الشيخ بدعوة كريمة من الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، حضرت جلسة ريادة الأعمال مساء السبت قبل انطلاق المؤتمر، وحضرت الافتتاح، صباح الاحد وبعض الجلسات الجانبية، واستمعت إلى العديد من التعليقات والملاحظات من وزراء ومسئولين ورجال أعمال واعلاميين من مصر والقارة السمراء.
لفت نظرى فى جلسة ريادة الأعمال النماذج التى تحدثت من على المنصة ومنها المصرى هانى الجبالى الذى عرض لشركته المتخصصة فى تحليل بيانات كاميرات المراقبة، باستخدام الذكاء الاصطناعى، وكذلك تطبيقات للسيارات ذاتية الحركة. كان هناك أيضا العديد من النماذج الإفريقية الواعدة، التى نجحت فى تقديم نماذج لأعمال رائدة ومبشرة، ومفيدة للمواطنين، وبالطبع تحقق النجاح والمكاسب.
مثل تلك التجربة التى تمكنت من التغلب على انقطاع الكهرباء فى بعض المناطق النائية فى نيجيريا أو الكاميرون.
هذه الشركات يمكنها أن تكون فعلا قاطرة التقدم للقارة الإفريقية، إذا أتيح لها مناخ العمل المناسب، مثلما هو الحال مع الشركات المماثلة عالميا، حيث بدأت صغيرة جدا، ثم صار رأسمالها أكبر من رأسمال العديد من الدول الصغرى والمتوسطة فى إفريقيا.
فى كلمة الوزيرة سحر نصر، كان واضحا تركيزها على الجانب الإيجابى فى إفريقيا. هى قالت إن العديد من البلدان الإفريقية حققت نسبة نمو وصلت إلى ٣٫٥٪، ومرشحة للارتفاع إلى ٤٪. وأن ست دول إفريقية احتلت قائمة الاقتصادات الأسرع نموا فى العالم هذا العام. بالطبع ركزت الوزيرة على التجربة المصرية، وبرنامج الإصلاح الاقتصادى الذى ننفذه منذ فترة، وفى القلب منه تحسين مناخ الاستثمار.
الوزيرة لفتت النظر إلى أن عائد الاستثمار فى إفريقيا من أعلى المعدلات، وانعكس ذلك على زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر بأكثر من أربعة أمثال فى آخر خمس سنوات.
لكن لكى يتم ترجمة هذا المناخ الإيجابى إلى واقع مستدام فهناك شروط كثيرة أهمها الحاجة إلى شبكات ربط والتوجه إلى التحول الرقمى، وتعظيم الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات خصوصا أن الشركات الناشئة سريعة النمو، تولد ثلث فرص العمل الجديدة.
الوزيرة قالت إن كل دولار يتم انفاقه فى مشروعات البنية الأساسية يجذب ضعفه من تدفقات استثمارية. لكن ما تزال القارة فى حاجة إلى عمل كبير فى المستقبل. سحر نصر تقدر الاستثمارات المطلوبة سنويا للقارة بنحو ١٥٠ مليار دولار. الفجوة التمويلية لهذا الرقم تصل إلى ٩٠ مليار دولار.
والسؤال الجوهرى هنا: كيف يمكن سد هذه الفجوة فى قارة ما تزال عاجزة عن استغلال الكنز البشرى المتمثل فى أن ٦٠٪ من سكان القارة تحت سن ٢٥.
ربما يكون ما طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الجلسة الختامية للمؤتمر، يساعد فى الخروج من المأزق. الرئيس أعلن عن إنشاء صندوق لضمان مخاطر الاستثمار فى إفريقيا، والتعاون مع المؤسسات الدولية لدعم البنية الأساسية والانتهاء من طريق القاهرة ــ كيب تاون، من أجل ربط القارة بعضها ببعض، وتحفيز عمل الشركات الإفريقية فى مصر وزيادة التعاون الفنى مع القارة للاستثمار فى رأس المال البشرى وإنشاء صندوق للاستثمار فى البنية التحتية المعلوماتية لبناء اقتصادات حديثة، والتعاون فى مجالى الحوكمة ومحاربة الفساد عبر إطلاق المرحلة الثانية من الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الفساد، وهى المشكلة الاصعب التى تعانى منها القارة.
كل ما سبق أفكار وإجراءات وتصورات جيدة، المهم كيف يمكن أن نطبقها على أرض الواقع؟!
ما حدث جيد للغاية، لكن المطلوب أن يشعر الأفارقة بأن هناك أملا فى الغد.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع