بقلم : عماد الدين حسين
حينما قابلنا ــ نحن مجموعة من الصحفيين المصريين ــ ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان فى منزل السفير السعودى بالقاهرة، وقتها الوزير أحمد قطان فى الخامس من مارس الماضى، كان من بين الأشياء المهمة التى قالها إن بلاده تسعى إلى إبعاد الرئيس السورى بشار الأسد عن إيران. هذا المعنى كان يعنى عمليا أن السعودية لم تعد تضع إبعاد الأسد شرطا لحل الأزمة السورية.
ما قاله ولى العهد السعودى وقتها ضمنا، أوضحه بجلاء خلال حواره مع مجلة التايم، خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة بقوله: «إن الأسد باقٍ فى سوريا، لكن ليس من مصلحته أن يترك الإيرانيين يفعلون ما يحلو لهم فى بلاده، ومن خلال ميليشياتها هناك، فإن إيران ستؤسس طريقا بريا، يمتد من طهران إلى بيروت مرورا بدمشق وبغداد، هذا الهلال الشيعى سيمنح إيران موطئ قدم أكبر فى منطقة مضطربة».
ماذا يعنى هذا الكلام؟!
المعنى واضح وهو ان تطبيع العلاقات بين السعودية وسوريا، يمكن أن يتم قريبا إذا وافقت سوريا على الشرط الجوهرى وهو الابتعاد عن إيران، بحيث تتمكن الرياض من عدم إكمال الهلال الشيعى، وبالتالى لخبطة كل الأوراق الإيرانية.
من الواضح أن محمد بن سلمان «فى عجلة من أمره بالفعل»، كما قال احد المحللين الغربيين قبل شهور، فقد هجر تماما الأسلوب الدبلوماسى السعودى التقليدى الشائع منذ تأسيس المملكة، والممثل فى التردد والتحفظ وترك الزمن يحل القضايا الصعبة، أو التفاوض خلف الأبواب المغلقة.
لم يكن أحد يتخيل أن يخرج مسئول سعودى ليقول إن الأسد باقٍ. سمعنا ذلك من مسئولين أوروبيين وحتى من دونالد ترامب، بطريقة أو بأخرى، لكن أن نسمعه من مسئول خليجى، ومن الرجل القوى فى السعودية بالأساس، فهذا تطور بالغ الدلالة، ويمكن له أن يرسم لنا بعض ملامح المرحلة المقبلة، خصوصا ما يتعلق بسوريا، خصوصا إذا علمنا ان الموقف السعودى الجديد يقترب كثيرا من الموقف المصرى، الثابت من الأزمة السورية منذ 30 يونية 2013.
عزل إيران ومطاردتها دبلوماسيا، صار هدفا سعوديا ملحا، وسمعنا من الأمير محمد ــ يوم التقيناه ــ العديد من الوقائع التى قال إن بلاده تطارد فيها، إيران دبلوماسيا من آسيا إلى إفريقيا، ومن أوروبا إلى أمريكا اللاتينية.
الجديد فى الأسابيع القليلة الماضية أن الاستراتيجية تطورت، لملاحقة إيران فى قلب نفوذها، أى سوريا والعراق.
التقارب السعودى مع العراق، صار واضحا. هى تستقبل العديد من المسئولين العراقيين البارزين، وأوفدت وزير خارجيتها عادل الجبير إلى بغداد، وتلعب بفريقها الأول لكرة القدم فى البصرة، وتستقبل أول طائرة مدنية عراقية فى مطار الرياض لأول مرة منذ ٢٧ سنة، وتتردد أنباء عن احتمال زيارة بن سلمان بنفسه لبغداد، رغم النفى السعودى الأخير.
السعودية تطارد إيران أيضا عسكريا فى اليمن، وتلاعبها فى لبنان، لكن السؤال الذى بدأنا به هو: هل يمكن للسعودية وبلدان الخليج إغراء الأسد بإعادة تعويمه، وإعادته للجامعة العربية، مقابل الابتعاد عن إيران، والاكتفاء بأحضان الدب الروسى على الأقل فى المرحلة الأولى؟!.
سؤال صعب التكهن بإجابته، ووقائع التاريخ القريبة تصعب من الإجابة. فسوريا حافظ الأسد البعثية ساندت إيران الفارسية ضد العراق العربية البعثية فى حرب الثمانى سنوات (١٩٨٠ ــ ١٩٨٨)، فإذا كانت فعلت ذلك مع حليفها فى الأيديولوجيا البعثية، فهل تخالفه مع السعودية المختلفة معها فى الكثير من الرؤى والاتجاهات والأيديولوجيا؟! أم أن الإجابة يفترض أنها تخضع للمصالح العملية البحتة؟!.
سوريا صارت فى موقف قوة، بعد الانتصارات الكبيرة فى الشهور الاخيرة التى حققتها ضد التنظيمات الإرهابية، التى كانت ممولة بالأساس من غالبية بلدان الخليج.
وأمريكا تلمح إلى أنها سوف تنسحب تماما من سوريا، والرياض تحاول إقناعها بتأجيل ذلك إلى أطول فترة ممكنة.
صار مؤكدا أن المشهد العربى الراهن سوف يشهد تغيرات دراماتيكية فى الفترة المقبلة، لدرجة ان البعض قد لا يستبعد لقاء محمد بن سلمان مع بشار الاسد، إذا وافق على التحلل من العلاقة الإيرانية.. وإنا لمنتظرون!.
نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع