بقلم: عماد الدين حسين
«فتاة التيك توك» حنين حسام، طالبة الفرقة الثانية بكلية الآثار، هى الآن رهن التحقيق أمام النيابة العامة بمجموعة من التهم هى: «الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية فى المجتمع المصرى، وإنشاؤها وإدارتها واستخدامها مواقع وحسابات خاصة عبر تطبيقات للتواصل الاجتماعى بشبكة المعلومات الدولية، وارتكاب جريمة الاتجار بالبشر بتعاملها مع أشخاص طبيعيين هن فتيات استخدمتهن فى أعمال منافية لمبادئ وقيم المجتمع المصرى؛ للحصول من ورائها على منافع مادية؛ وكان ذلك استغلالا لحالة الضعف الاقتصادى وحاجة المجنى عليهن للمال، والوعد بإعطائهن مبالغ مالية، وقد ارتكبت تلك الجريمة مع جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر تضم المتهمة وآخرين.
وإلى أن ينتهى التحقيق، ويصدر الحكم فى القضية، فلن أسارع إلى إدانة المتهمة، كما فعل كثيرون، ولن أسارع إلى تبرئتها كما فعل أهلها وبعض زملائها.
وبعيدا عن الإدانة أو التبرئة، فإن العنوان العام لقضية حنين حسام، يطرح أمرا بالغ الخطورة، وهو الدور المتزايد الذى تلعبه تطبيقات التكنولوجيا الحديثة، فى إغراق الشباب فى مشاكل وأزمات أخلاقية، لن تقضى فقط على مستقبلهم، ولكن يمكنها تخريب المجتمع من أساسه.
لوسائل التواصل الاجتماعى فوائد عديدة، ولكن لها أضرارا عديدة أيضا، ومنها أنها صارت تقتحم البيوت وتتسلل من دون أى رادع إلى أولادنا وبناتنا، ونحن عنهم لاهون.
حنين حسام دافعت عن نفسها وقالت إنها بريئة، وإن أهلها يعرفون ماذا كانت تفعل، لكن المؤكد أيضا أن العديد من الآباء والأمهات يمكن أن يعرفوا أن ابنهم أو ابنتهم مشتركان فى تطبيق معين، لكن الأكثر تأكيدا أن أولياء الأمور غير موجودين مع أولادهم، ليطمئنوا بأنهم فى أمان بعيدا عن أى مخاطر أو انحرافات.
فى السنوات الأخيرة لجأت فتيات كثيرات فى أماكن عديدة بالعالم إلى تحويل بعض التطبيقات التكنولوجية على الموبايلات، إلى وسيلة للتكسب من خلال عرض أجسادهن، أو ترتيب لقاءات فى أماكن مغلقة. وفى مصر تمكنت شرطة الآداب من القبض على قضايا مماثلة.
المشكلة ليست فى بعض الفتيات المنحرفات، فشرطة الآداب كفيلة بالتعامل معهن. لكن المشكلة الأخطر، هى الفتيات العاديات التى لا يعرفن خطورة هذه التطبيقات، ويدخلن فى دوامات الانحراف ببطء شديد، ومن دون أن يشعرن.
حجم الإغراءات فى الفضاء الإلكترونى كبير جدا، وحجم انشغال الأسر وأولياء الأمور عن أولادهم كبير جدا. وما بين الإغراءات والانشغالات يتعرض الكثير من الشباب صغير السن لمخاطر كبيرة، وتزيد الخطورة مع وجود أزمات اقتصادية عديدة، ومع تزايد مطالب الشباب والشابات المادية، وتفتح عيونهم على العديد من الإغراءات فى الإعلانات التى يشاهدونها فى الفضائيات أو المواقع الإلكترونية. والأخطر أن بعض الفتيات يجنين الكثير من الأموال بالعملات الأجنبية من بعض هذه الأنشطة، وسمعنا فى هذه القضية عن مبالغ تبدأ بثلاثين دولارا وتصل إلى ثلاثة آلاف دولار للفتاة.
لا أقول إن كل نشاط على الإنترنت مجرم، هناك صفحات وتطبيقات مفيدة جدا، ويجنى أصحابها الكثير من الأموال بصورة مشروعة، وبأفكار خلاقة ومبدعة. لكن هناك شعرة رقيقة بين الجانبين، يمكن أن يقع كثيرون ضحايا فيها.
الدرس الأساسى الذى نتعلمه من قضية حنين حسام، بغض النظر عن الطريقة التى ستنتهى إليها، هى أن يبدأ أولياء الأمور فى متابعة أولادهم، والتأكد مما يشاهدونه، وأن يتناقشوا معهم بهدوء وبالمنطق، بعيدا عن العنف والإجبار والضرب، وأن يرشدوهم إلى الطريق الصحيح، ويشجعوهم إذا كان نشاطهم سليما ومشروعا، ويحذروهم من مغبة الوقوع فى براثن جرائم أخلاقية. وأن تواصل الشرطة مطاردة هذه الأنشطة الهدامة حتى لا يشعر الشباب بأن طريق الانحراف صار سهلا ومضمون العواقب.
القضية خطيرة وتحتاج إلى تنبه الجميع حكومة ومؤسسات وقضاءً وإعلاما ومجتمعا مدنيا. وكانت النيابة العامة موفقة جدا، فى البيان الذى أصدرته عن القضية قبل أيام، وجاء فيه: «نهيب بالجميع، حكومة ومؤسسات ومجتمع آباء وأبناء، الحذر والتصدى لمستحدثات أمور فى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، شرور غايتها تبديد القيم وتزيين الفواحش وجعل السيئات من المسلمات، حافظوا على قيم هذا البلد العريق ومبادئه، وكافحوا الفساد بشتى صوره وأشكاله، واصبروا وصابروا، واعلموا أنه إذا حُمل الحق على الناس جملة دفعوه جملة، ويكون من ذلك فتنة، فالصرح العظيم يبنى لبنة لبنة، وما الإصلاح إلا تدرج وتؤدة، وإنه لخير أن يأتى علينا كل يوم من أيام الدنيا فنميت فيه بدعة، ونحيى فيه سنة حسنة».