بقلم: عماد الدين حسين
قصر البارون إمبان فى مصر الجديدة، عاد إلى رونقه السابق، وأصبح معلما أثريا وسياحيا بارزا.
يوم ٢٩ يونيو الماضى وخلال الاحتفال بثورة ٣٠ يونيو فى مسرح الجلاء، وقبل وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى لقاعة الاحتفال، وقفت أنا والصديقين علاء ثابت وشريف عامر مع وزير السياحة والآثار د. خالد العنانى، وسألناه كثيرا فى تفاصيل السؤال الذى يشغل كثيرين وهو: متى تتعافى السياحة؟
الوزير تحدث بحماس عن أهمية افتتاح الرئيس للقصر فى نفس اليوم، ويرى أن هذا المشروع سيجذب السياحة الداخلية والخارجية، وقد يمثل ــ ضمن أشياء أخرى ــ فرصة لإعادة الروح جزئيا لحركة السياحة التى تعرضت لضربة قاصمة، مع انتشار فيروس كورونا فى العالم كله.
وخلال كلمته أثناء الاحتفال تحدث العنانى بلغة قوية وعرض جذاب بصورة تعطى الأمل لعودة السياحة قريبا. يومها دعانا الوزير لزيارة قصر البارون، وهو ما حدث بالفعل فى السادسة من مساء الأحد الماضى، بحضور رؤساء تحرير الصحف وكبار الإعلاميين وشخصيات عامة منهم زاهي حواس وممدوح الدماطي ومصطفي الفقي.
الدكتور مصطفى وزيرى، رئيس المجلس الأعلى للآثار شرح للحاضرين بلغة عربية متميزة قصة هذا القصر وصاحبه. إدوارد لويس جوزيف إمبان المولود عام ١٨٥٢ فى بلدة بيلوى فى بلجيكا، وأنشأ خطوط سكة حديد فى بلده، ثم صار المقاول الرئيسى لإنشاء مترو باريس، ثم أنشأ بنكا باسمه لتمويل مشاريعه، وفى عام ١٨٩٤ تحول اهتمامه إلى مصر، وأسس بها أول خط ترام فى القاهرة، هذا الرجل توفى عام ١٩٢٩، لكن وصيته كان أن يدفن فى مصر، وبالفعل نقل رفاته إلى كنيسة البازليك المواجهة للقصر فى شارع الأهرام، كما دفن ابنه فى نفس الكنيسة عام ١٩٤٦.
البارون إمبان دعا المهندس المعمارى الفرنسى، ألكسندر مارسيل لتصميم قصره فى ضاحية مصر الجديدة التى كانت صحراء وقتها ١٩٠٧، وصمم الديكورات الداخلية للقصر الرسام الفرنسى جورج لويس كلود وتم افتتاح القصر عام ١٩١١، القصر يجمع فى بنائه بين فن الباروك الأوروبى الفاخر وطراز الآرت نوفو فى تزيين الغرف، لكن فى واجهة القصر يبرز التأثر الكبير بالعمارة الهندية، بما فيها اللون الطوبى، الشائع فى المعابد الهندوسية؛ حيث عاش مصصم القصر فترة من حياته بالهند.
لا يعرف كثيرون أن إمبان هو أحد بناة مصر الجديدة الحالية التى كان يطلق عليها اسم هليوبوليس، وهى تمثل خليطا وانصهارا رائعا للفنون وحوارا بناء بين الثقافات، والشركة التى أنشأها إمبان لبناء مصر الجديدة، تحولت لاحقا لشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير.
البارون اختار هذا الطراز الغريب والمختلف لقصره لجذب الأنظار لضاحيته الجديدة، هليوبوليس أو مدينة الشمس. القصر يتكون من بدروم وطابقين وسطح وحديقة واسعة تحيط به، ويقع فى الجانب الشرقى منه مبنى صغير به بعض الحجرات كانت تستخدم كمرآب للسيارات واسطبل للخيل، وتتقدم القصر سلسلة متتابعة من الشرفات محاطة بأسوار تزينها تماثيل تجسد بعض الآلهة والحيوانات المقدسة فى الديانة الهندية. أما السطح فيتم الوصول إليه عن طريق سلم حلزونى خشبى، وكان يستخدم لإقامة الحفلات.
فى هذا القصر عاش ثلاثة أجيال من عائلة إمبان حتى عام ١٩٥٤، حين تم بيع القصر فى مزاد علنى ثم بيع مرة أخرى ليدخل فى حقبة طويلة من الهجر والإهمال والتدمير، ثم دخل فى عداد الأماكن الأثرية عام ١٩٩٣، واشترته هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عام ٢٠٠٥ بمناسبة مئوية مصر الجديدة وتم نقل القصر إلى المجلس الأعلى للآثار عام ٢٠٠٧؛ حيث بدأ مشروع ترميمه قبل أيام من تولى خالد العنانى للوزارة عام ٢٠١٧، وتخطت تكلفته ١٧٥ مليون جنيه دفعت الحكومة معظمها بنسبة ١٥٩ مليونا و١٦ مليونا من الحكومة البلجيكية، ومساهمات عينية من المجتمع المدنى.
كثير من الأساطير والخرافات لا يزال البعض يرددها عن القصر مثل أنه يلف حول نفسه ٣٦٠ درجة، أو أن هناك نفقا يربطه بكنيسة البازليك أو أن السحر الهندى هو الذى تسبب فى وفاة مصممه حتى لا يفشى سره أو أنه به عفاريت وشياطين، أو حتى أن الحكومة أزالت السور الأصلى.
العنانى قال لنا ونحن فوق سطح القصر إن مطعما فاخرا سيتم افتتاحه قريبا بتقاليد قرن مضى، وأضاف ضاحكا ولكن بأسعار قرن مقبل، إضافة إلى مطعم عالمى فى الأهرامات والقلعة.
القصر عاد تحفة فنية ومعمارية بارزة وكان ملفتا لنظرى وأنا أغادر المكان أن عريسا وعروسه جاءا ليلتقطا الصورة التذكارية عند القصر. وأتمنى أن يتاح لأكبر عدد من المصريين زيارته.