بقلم: عماد الدين حسين
هل الصعايدة محصنون ضد الإصابة بفيروس كورونا، وهل صحيح أن أهل الجنوب فى البلدان المختلفة هم الأقل تعرضا للإصابة بالفيروس؟!.
هذه الأسئلة سمعتها كثيرا فى الأيام الماضية، وللأسف، لم تكن صادرة عن حديث «مصاطب» بل من منصات إعلامية معروفة.
يقول البعض إن المناطق الجنوبية فى معظم بلدان العالم لم تصب بالفيروس، وهذا كلام غير دقيق، لأن الفيروس صحيح أنه بدأ من ووهان شرق الصين، لكنه وصل إلى العديد من المقاطعات الجنوبية، وصحيح أنه بدأ من لومبارديا شمال إيطاليا؛ حيث ميلانو، لكنه أيضا وصل إلى العديد من المدن المختلفة بما فيها الجنوب.
الأرقام الإحصائية المبدئية فى غالبية دول العالم ومدنه لا تعطى دلالات جغرافية معينة حتى هذه اللحظة، بشأن البيئة التى ينتشر فيها كورونا. ثم إن غالبية البلدان الأوروبية، خصوصا الإسكندنافية فإن الفيروس ضرب شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، فكيف يمكن الوصول إلى دلالات تقول إن الجنوب أسعد حظا من الشمال على سبيل المثال؟!.
ولماذا نذهب بعيدا، ونستحضر أمثلة من دول أخرى، ونحن لدينا النموذج الحى فى مصر؟!.
المتابعون لتطور الفيروس، يعرفون أن البؤرة الأولى للإصابة كانت فى الأقصر بصعيد مصر، فى الباخرة السياحية الشهيرة، ومن هذه الباخرة تحرك الكثير من ركابها ونشروا الفيروس فى العديد من المناطق الأخرى، أحد هؤلاء كان سائحا ألمانيا، رفض الذهاب إلى العزل بالنجيلة، واتجه إلى الغردقة ومات هناك بعد أن نقل العدوى لآخرين.
كون البؤرة بدأت من الأقصر، لا يعنى أن هناك خصائص معينة تجعل هذه المدينة أو تلك يزيد فيها المرض أو يقل لأسباب جغرافية، بل المسألة ببساطة حتى الآن تنحصر فى العدوى، ما حدث أن سائحا مصابا أو أكثر جاءوا إلى الأقصر، واحتكوا وخالطوا آخرين، فنقلوا إليهم العدوى.
نموذج آخر يثبت أن الصعيد ليس بمنأى عن الفيروس، هو أنه وصل بقوة إلى العديد من محافظات الصعيد، وبالأخص المنيا، وعرفنا أنه تم عزل قريتين بصورة كاملة فى مركز بنى مزار يوم الجمعة الماضى، لأن عددا من سكان هذه القرى، عاد من رحلات عمرة بالسعودية أو رحلات عمل من الكويت وإيطاليا، وثبت أنه مصاب أو حامل للفيروس.
ومرة أخرى لا يعنى ذلك سوى أن هناك حالات عدوى جاءت إلى الصعيد فأصابت بعضا من أهله.
محافظة أسيوط بدورها تبحث عن عشرات من أبنائها الذين كانوا يعملون فى إيطاليا، وعادوا، من دون أن يمروا على الحجر الصحى والاختبار، ونسأل الله لهم العافية.
ما أريد أن أقوله إنه لا يوجد حتى الآن كلام علمى نهائى بشأن كورونا وكيفية تأثره بالمناخ أو الحرارة أو المناطق الجغرافية، ويوم السبت الماضى قال الدكتور عبدالناصر أبوبكر، رئيس فريق إدارة المخاطر بمنظمة الصحة العالمية: إن تباين عدد الحالات المصابة لا يعنى أن مناعة الأفارقة أفضل مقارنة بمناعة الأمريكيين والأوروبيين، وأنه لم تتوفر أدلة حقيقية حتى الآن بأن المناخ الحار يقتل الفيروس، وما هو مؤكد أن الوباء ينتشر فى الطقس البارد فى أوروبا والحار فى إفريقيا والرطب فى أمريكا اللاتينية.
هذا كلام علمى سليم وأدلته واضحة حتى الآن، وأهمها أن الفيروس موجود فى الدول الإسكندنافية الباردة جدا مثل السويد والدنمارك، مثلما هو موجود فى الدول الحارة جدا مثل جنوب إفريقيا والسنغال وبوركينا فاسو وغانا، وموجود فى الدول ذات المناخ المعتدل حاليا مثل مصر والجزائر وتونس والمغرب، وفى الدول التى بها نسبة رطوبة عالية مثل منطقة الخليج.
كنت سأكون أسعد الناس إذا ثبت أن الفيروس لا يعيش فى الصعيد، لأنه فى هذه الحالة، سأسافر للإقامة فى بيت أبى بأسيوط، لكن الواقع يقول إن ترديد مثل هذا الكلام عن مناعة الصعايدة ومثل هذا الكلام غير العلمى غاية فى الخطورة هذه الأيام، لأنه ببساطة يعطى وهما كاذبا للكثيرين بأن الصعايدة محصنون ضد هذا الفيروس أو غيره، وهو كلام غير علمى وغير صحيح، ويكذبه الواقع الذى يقول للأسف الشديد إن نسبة مناعة الصعايدة ضعيفة جدا بسبب أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والصحية البائسة، وبالتالى على من يرددون هذا الكلام أن يحترسوا كثيرا، لأنهم يضرون أهل الصعيد بحسن نية شديد من حيث لا يدرون!!.