بقلم: عماد الدين حسين
لو سألت أى شخص هذه الأيام: هل كان زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادى عميلا للولايات المتحدة أو لاوروبا وإسرائيل، قد يسخر منك ويرد بتهكم: كيف ذلك والولايات المتحدة هى من قامت بقتله فى قرية باريشا بادلب السورية فجر يوم السبت الماضى؟!
ليس المقصود بطرح السؤال، أن البغدادى كان مسجلا فى كشوف عملاء الولايات المتحدة أو أنه يتقاضى أجرا مقابل عمالته. المقصود شىء أعقد من ذلك بكثير.
العمالة تطورت وتعقدت، لدرجة أن البعض قد يصبح عميلا، من دون أن يدرى ذلك، فالمهم هو أداء المهمة والوظيفة، حتى من دون أن تدرى، وبهذا المفهوم، فإن البغدادى وغالبية قادة وعناصر تنظيم داعش، والنصرة وأمثالهما يقدمون أفضل خدمة للولايات المتحدة وإسرائيل، وكل خصوم وأعداء العرب.
أفضل مثال على ذلك ما كان يفعله صبرى البنا أو «أبونضال» الذى انشق على ياسر عرفات فى حركة فتح، وكون ما سمى «فتح ــ المجلس الثورى»، وكان يزايد على عرفات وقادة فتح، ويعلن أقصى المواقف المتشددة لفظيا. ولاحقا تسربت تقارير تقول إن الموساد الإسرائيلى اخترق هذا التنظيم ووجهه لقتل قادة فلسطينيين معتدلين جدا مثل عصام سرطاوى، حتى لا يكون هناك قادة معتدلون يمكن الحديث معهم، لاحقا، وهناك كتاب فى غاية الاهمية عن هذه الظاهرة، للكاتب البريطانى الشهير باتريك سيل عنوانه: «بندقية للإيجار»!!
لا نحتاج دليلا على أن ما فعلته داعش هو أفضل خدمة لإسرائيل وأى جهة لا تريد الخير للعرب أو حتى للإسلام.
هل نلوم هذه القوى؟! بالطبع لا، لأنهم يسعون لتحقيق مصالحهم. لكن نلوم أنفسنا كعرب ومسلمين، لأننا وفرنا البيئة الخصبة لظهور مثل هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
قد لا يكون البغدادى وكبار قادة التنظيمات المتطرفة فى المنطقة العربية، قد جلسوا وجها لوجه مع المخابرات الإسرائيلية أو الغربية، للاتفاق على تدمير العرب والمسلمين والإساءة إليهم، لكن النتيجة على الأرض أن هذه التنظيمات أفادت إسرائيل بصورة لم تكن تحلم بها، حتى لو انفقت كل أموال العالم.
أدرك ان غالبية أعضاء وعناصر داعش والتنظيمات الإرهابية لديهم يقين جازم بأنهم يجاهدون فى سبيل الله، لكنهم لا يدركون أن مجمل ما يفعلونه يصب فى مصلحة هؤلاء الذين يعتبروهم أعداء.
سيقول البعض، ولكن أمريكا ودول غربية كبرى شكلت تحالفا دوليا لمحاربة داعش منذ عام ٢٠١٤، صحيح، ولكنها لم تقض على التنظيم، بل تركته يتمدد ويتجول فى المنطقة بصورة مريبة. هى حاربته إعلاميا، ونفذت ضده ما يمكن تسميته بضربات تليفزيونية، لأنه على أرض الواقع كان يؤدى وظيفة مهمة جدا وهى تمزيق المنطقة وتفتيتها وإغراقها فى الحروب الدينية والمذهبية والطائفية، حتى لا تتفرغ لإسرائيل أو لتحقيق التنمية والتقدم.
ومرة أخرى فالملوم الأكبر هو حكومات المنطقة التى تسببت سياساتها فى ولادة داعش وهو ما مهد لاختراق الخارج للمنطقة والعبث فيها كما يشاءون!.
حينما قدمت إسرائيل المساعدة لبعض الفصائل الداعشية والإرهابية فى سوريا، فلم تفعل ذلك، لأنها متعاطفة مع أفكار التنظيم، أو حبا فى الإسلام، ولكن لأنها تريد للصراع والحرب والانقسام أن يستمر فى سوريا والمنطقة، لأطول وقت ممكن.
نفس الأمر ينطبق حرفيا على المتطرفين الذين يحاربون الحكومة والمجتمع فى شمال سيناء، وكانوا يطلقون على أنفسهم «أنصار بيت المقدس»، هم قتلوا ضباط وجنود الجيش والشرطة والمدنيين، ولم يطلقوا رصاصة حقيقية واحدة على من يحتلون بيت المقدس. إسرائيل هى أكبر مستفيد مما يحدث فى سيناء منذ عام ٢٠١١.. فهل يدرك الإرهابيون ذلك؟!
أمريكا استخدمت البغدادى، وداعش، مثلما استخدمت الزرقاوى قبله فى إشعال صراع طائفى فى العراق، وقررت قتله لأنه صار ورقة محروقة، وسيصبح ورقة مهمة فى حملة دونالد ترامب الانتخابية يشهرها فى وجه كل من ينتقده على قراره بالانسحاب من سوريا أو بيع الأكراد لتركيا!.
وقد تساءل كاتب سعودى هو حمود أبوطالب قائلا فى عكاظ: هل قدرة البغدادى على التخفى طوال ٥ سنوات أكبر من كل وسائل الرصد والتعقب الأمريكية التى تملأ السماء والأرض بدقة متناهية، وتكشف أدق التفاصيل؟!! مضيفا: «هناك كائنات عجيبة تظهر فجأة لتربك العالم وتحتل بلدانا وتنقل كالأشباع الغامضة لأماكن اخرى، وفجأة يتم التوصل لقادتها وقتلهم»!!.
وبهذا المنطق علينا التنبه إلى أن الغرب يربى ويسمى قادة هذه التنظيمات، ثم يحولهم إلى أبطال خارقين اسطوريين، لتقسيم المنطقة، وحينما ينتهى دورهم، يتخلص منهم فى عمليات أقرب إلى الأفلام منها إلى الواقع، لا نلعب فيها نحن العرب إلا دور المشاهدين المندهشين أو المغلوبين على أمرهم، وأحيانا المتواطئين!!