قبل أسابيع سمعت من أشخاص أثق بهم أنهم يعرفون أناسا مسلمين اتجهوا إلى الإلحاد، أو ضعف إسلامهم وتوقفوا عن الصلاة، لا أملك أرقاما رسمية موثقة ولا أعتقد أن غيرى يملكها، فهذه الظاهرة يصعب تماما قياسها بدقة وبصورة علمية، لأن العديد من أصحابها لن يصرحوا بها، خوفا من العقاب المجتمعى والقانونى، وبالتالى فإن السطور القادمة هى مؤشرات وانطباعات وليست حقائق دامغة مؤكدة.
أظن أن هناك عاملين حاسمين ساهما فى وجود هذه الظاهرة، الأول هجمات وتفجيرات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ فى الولايات المتحدة، والثانى هو الجرائم الوحشية التى ارتكبتها داعش وأخواتها بعد ٢٠٠١.
قبل تفجيرات سبتمبر كانت كل الاستطلاعات والبيانات فى غالبية البلدان تقول إن الإسلام هو أكثر وأسرع الأديان السماوية والوضعية انتشارا فى العالم، وكان اسم «محمد» هو الأكثر انتشارا أيضا ليس فقط فى البلدان الإسلامية، ولكن فى بعض البلدان الأوروبية.
قبل التفجيرات، كان المسلمون قد بدأوا يندمجون فى المجتمعات التى هاجروا إليها، وللموضوعية فإن هذه المجتمعات قبلت اندماجهم وعاملتهم بمساواة كاملة مثل أبنائها الأصليين، رغم أن بعضنا من أصحاب العقول المغلقة، لا يزال ينعتها بأنها «بلاد الكفرة»!!.
بعض المتطرفين الإسلاميين يعيشون فى هذه البلدان ويلعنون ديمقراطيتها ليل نهار، ويتمتعون بكل «محاسن الديمقراطية» ولا يمسهم سوء، للدرجة التى دفعت البعض لمطالبتهم بترك هذه البلاد التى لا تطبق شرع الله إلى البلدان المسلمة التى خرجوا منها!!، وبعض هؤلاء يلعنون هذه المجتمعات علنا ويعمل لمصلحة أجهزة استخباراتها سرا.
دول الغرب عموما أعطت المهاجرين من المسلمين كل الحقوق وكل المناصب العليا وجوائز مثل نوبل.
جاءت أحداث سبتمبر لتعصف بغالبية هذه الحقوق، وجعلت بعض المتطرفين فى الغرب ينظرون إلى المسلمين باعتبارهم جسما غريبا وسطهم.
وهكذا بدأت الحركات والتنظيمات الغربية العنصرية المتطرفة تنشط أكثر ورأينا «حزب الشاى» فى الولايات المتحدة، والنازيين الجدد فى أوروبا، وحينما نشأت داعش وأخواتها، اكتمل المشهد السوداوى، خصوصا بعد المشاهد الصادمة والجرائم المروعة فى سوريا وليبيا من حرق البشر الأحياء إلى قطع رقابهم وما بينهما.
بعض الأوروبيين أصيبوا بصدمات مروعة، حينما شاهدوا مسلمين كانوا يعيشون بينهم يدهسون الأبرياء فى شوارع أوروبا، ويفتحون النار على مواطنين لا ذنب لهم إلا تواجدهم فى الشارع أو المطعم.
بعد هذه المشاهد المرعبة، صار غالبية الأجانب يخلطون بين الإسلام والمسلمين، ويعتقدون أن ما يفعله المتطرفون المسلمون هو من صميم تعاليم الإسلام، ولا يعلمون أن هؤلاء اختطفوا الإسلام وأساءوا إليه.
فى هذه اللحظة توقف افتتنان وإعجاب غير المسلمين بالإسلام وربما تكون بعض الهجرة العكسية قد بدأت، لكن الأسوأ أن عددا كبيرا من شباب المسلمين، لم يعد ملتزما بالدين كما كان الأمر فى السابق والسبب أن الصورة الشائعة هى تلك التى ترسخت بسبب أفعال وجرائم المتطرفين.
ذات يوم سألت صحفيا فرنسيا كبيرا: لماذا هذا الاستهداف الغربى ضد الإسلام والمسلمين خصوصا بعد هجمات سبتمبر؟!. السؤال كان بمناسبة الهجمات التى تعرض لها عرب ومسلمون فى شوارع أمريكا بعد التفجيرات، بل وتعرض لها بعض غير المسلمين مثل الهنود السيخ ظنا أنهم مسلمون؟!.
الصحفى الكبير وكان خبيرا بالشئون العربية قال لى: «يا أخى حاول أن تلاحظ أن العربى والمسلم وغير الأوروبى يدخل بلادنا التى يسميها بعضكم كافرة، ويحصل على جنسيات بلادنا ويتساوى فى كل الحقوق مع المواطن الأصلى دون النظر إلى جنسه أو دينه أو لونه، فى حين أن بعض المواطنين العرب المقيمين فى دول عربية منذ خمسين سنة لم يحصلوا حتى على وثيقة سفر!!».
يومها اكتشفت أن منطق الصحفى الفرنسى صحيح. الخلاصة أن من وقفوا وراء تفجيرات سبتمبر، وكذلك داعش أساءوا للإسلام والمسلمين بأكثر مما أساء إليه الأعداء مجتمعين، علما أن هؤلاء الأعداء لعبوا دورا كبيرا فى صناعة التطرف الإسلامى، منذ عقود خصوصا فى أفغانستان والعراق، لكن علينا أن نلوم أنفسنا فقط على هذه المأساة، وبعدها يمكن أن نلوم أى شخص أو جهة أخرى!!.