البيان الذى أعلن فيه أحمد شفيق من أبو ظبى نيته الترشح للرئاسة تم عبر شريط مسجل لوكالة رويترز، أذاعته قناة الجزيرة القطرية. وبيان ترشح سامى عنان، الذى وضعه على صفحته تم إذاعته أولا فى قناة الجزيرة، والحوار الذى أدخل الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات هشام جنينة إلى السجن كان مع «الهافنجتون بوست» فى نسختها العربية، وهى مؤسسة إخوانية تمولها الحكومة القطرية. والحوارات الثلاثة التليفزيونية التى قادت عبدالمنعم أبوالفتوح للسجن يوم الأربعاء الماضى، كانت أيضا فى «الجزيرة» وبعدها «العربى» القطرى الاخوانى، ثم «بى بى سى».
أتفهم غضب الحكومة المصرية وسائر أجهزتها من لجوء الشخصيات السابقة لوسائل إعلام تصنفها معادية. لكن السؤال المنطقى هو: وهل أتاحت الحكومة هامشا من الحريات الإعلامية، بحيث لا يلجأ كل هؤلاء إلى هذه الوسائل التى تعتبر الحكومة معظمها، منصات تحرض على الفتنة والعنف والإرهاب؟!.
وسائل الاعلام الاخوانية فقدت مهنيتها منذ نشأتها، لأنها بالأساس وسائل للحشد والتعبئة لجماعة الإخوان سواء كانت تبث من قطر أو تركيا أو بريطانيا أو أى مكان آخر.
وبالتالى فإن أى سياسى ينبغى أن يضع ذلك فى اعتباره، قبل أن يلجأ إليها. لكن نكرر السؤال مرة أخرى: هل كان هناك بديل أمام هذه الشخصيات، كى تلجأ إليه بدلا من هذه المنصات؟!.
طرح هذا السؤال ليس هدفه البحث عن مبرر يعفى الشخصيات السابقة من العذر، ولكنه محاولة جادة للبحث عن مخرج من هذا المأزق حتى لا يتكرر مستقبلا.
هو مأزق لا يتوقف فقط على لجوء سياسيين كبار لهذه الوسائل، ولكن يتضمن هجرة بعض الإعلاميين إليها بين الحين والآخر، حتى لو كانت مستوياتهم المهنية متواضعة!
الذى ذكرنى بالموضوع البيان الذى أصدره النائب السابق محمد أنور السادات قبل أيام «ويطالب فيه مالكى ومديرى ومقدمى القنوات الفضائية بسرعة فتح المجال لاستقبال السياسيين والكتاب والمثقفين والمفكرين ذوى الآراء الوطنية المتعددة ممن لديهم اختلافات أو تحفظات على بعض السياسات القائمة من منطلق الواجب الوطنى والمسئولية المهنية، وطالما كان الأمر فى حدود اللياقة والأدب، وفى إطار الوطنية والحرص على الصالح العام، بهدف إيجاد متسع ومتنفس أمامهم للتعبير عن آرائهم وأفكارهم من خلال قنوات ونوافذ إعلامية مصرية بمختلف أشكالها، وحتى لا يتم استغلالهم من قنوات كالجزيرة وغيرها، من التى لديها أهداف يرفضها الشعب المصرى» حسب وصف البيان.
يضيف السادات: «يجب أن ندرك أنه كلما أغلقت الدولة النوافذ أمام هذه الأصوات فسيضطر بعضهم مكرها للظهور أو عمل مداخلات على قنوات كالجزيرة وغيرها، أو تصريحات لمواقع إخبارية تنشر خارج مصر، ثم نعود ونلومهم على ذلك، ونتهمهم بالخيانة والعمالة وأبشع التهم»!!.
اتفق إلى حد ما مع دعوة السادات، وأدعو الجهات المسئولة إلى التفكير فيها بجدية وبحث إمكانية تطبيقها.
هناك بالفعل العديد من الشخصيات لم يعد متاحا لها الظهور إطلاقا فى القنوات المصرية، أو يظهر بعضها على استحياء فى برنامج أو برنامجين كل شهر، وصار الزملاء فى قسم الإعداد ببرامج «التوك شو» الشهيرة يعرفون «قوائم المغضوب عليهم» وبالتالى لا يتم دعوتهم إطلاقا!!.
بعض هؤلاء ينزوى فى منزله أو عمله ويرفض إغراءات الظهور فى فضائيات الإخوان، مهما كانت كبيرة. والبعض الثانى يظهر مضطرا، ويبرر لنفسه بأن ذلك لإيصال الرسالة الإعلامية، بعد أن يئس من وجود فرصة فى فضائيات بلاده. البعض الثالث يظهرمضطرا أيضا ولكن من أجل المقابل المادى، من دون أن يكون متعاطفا مع آراء وأفكار هذه الفضائيات، والبعض الرابع يظهر مقتنعا تماما برسالة هذه المنصات الاخوانية، وهؤلاء ينتمون لجماعة الإخوان.
القضية الأهم ليست أن يذهب هذا السياسى أو ذاك إلى الفضائيات الإخوانية، بل الخطورة هى أن يتزايد عدد المصريين الذين يتابعون هذه الفضائيات، ويعتمدون عليها فى تكوين وجهات نظرهم، وهم لا يدركون بأن غالبيتها لا يطبق أى معايير مهنية، رغم أنها دائمة الانتقاد للإعلام المصرى الرسمى بأنه لم يعد مهنيا!!!.
أن تفتح الحكومة المصرية المجال ولو قليلا للشخصيات والأصوات والأفكار المعارضة فى إطار القانون والدستور والدولة المدنية، أمر فى غاية الأهمية، ليس فقط، لصالح هذه المعارضة الوطنية، ولكن من أجل مصلحة الحكومة نفسها، تطبيقا لنظرية «تنفيس البخار»، حتى لا تنفجر «الحلة» بأكملها!.
نقلا عن الشروق القاهريه