مساء الأربعاء الماضى جلست مع محافظ البنك المركزى طارق عامر، بصحبة مجموعة من محررى ملف الاقتصاد فى وسائل الإعلام المصرية فى إحدى القاعات بمركز المؤتمرات بمدينة شرم الشيخ، بعد يوم حافل من الجلسات والنقاشات فى الاجتماع السنوى لجمعية البنوك المركزية الإفريقية،والذى استضافته مصر وترأسه طارق عامر، وافتتحه المهندس مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء.
اللقاء لم يكن رسميا، وتشعب لموضوعات متعددة، لدرجة أن أحد الزملاء سأله: وإيه رأيك فى مشكلة المخدرات؟. فرد عليه باسما: «يا عمى أنا بتاع بنوك مش مخدرات»!.
عامر قال إن نسبة نجاح البرنامج الاقتصادى فاقت كل التوقعات.
عامر يقول إن الناس تعتقد أن البنك المركزى هو من يجلب الدولارات، لكن الحقيقة نحن نساعد فقط فى عملية تدفق العملة الصعبة. وكشف عن أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج تزيد عن الرقم المعلن وهو ٢٦ مليون دولار، لأن هذا الرقم هو الذى يأتى عبر النظام البنكى، بخلاف ما يأتى مع الأفراد أنفسهم.
زملاء كثيرون سألوا عن الازمات الاقتصادية والاسعار المرتفعة، وهنا سألنا عامر: هل نسيتم مرحلة ما قبل التعويم حينما كان الدولار يزيد جنيه كل يوم، وعمليات المضاربة التى تورط فيها كثيرون من أول الأفراد نهاية بجماعات إرهابية وكانت تضارب على سعر الدولار بكل الطرق لضرب الاقتصاد المصرى، بل إن بعض من كان يملك مائة دولار فقط كان يطلق الشائعات، بحثا عن ربح، كلف الاقتصاد القومى الكثير وقتها.
فى تقدير عامر أن مصر وقتها كانت على كف، وأشبه بمجموعة من الناس يركبون «أتوبيس» من دون فرامل، ويوشك أن يقع فى الهاوية، وكنا نحاول منعه من السقوط بكل الطرق. وأثناء ذلك، كان بعض الركاب يشتكون من وجود بعض الاهتزازات، لكنهم للأسف لا يدركون أن حياتهم نفسها كانت بأكملها معرضة للخطر الوشيك. وبعضهم سخر منا وقتها، وقال: «طالما مش عارف تسوق انزل من الأتوبيس»!
عامر قال إن المحصلة أننا نجحنا وتم انقاذ الاتوبيس والركاب، وبدأنا نسير على الطريق الصحيح.
فى هذه اللحظة سأله أكثر من زميل: ولكن أحوال الركاب صعبة جدا بفعل عملية الإصلاح الاقتصادى.
الرجل قال: «نعم لا ينكر أى عاقل أن هناك آثارا صعبة على الناس، لكن إذا كان من حق الناس أن تسأل وتشكو من الآثار السلبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، فمن الإنصاف أيضا أن تسأل عن السيناريو الذى كان يمكن أن يحدث لو لم ننقد هذا البرنامج».
هو أجاب على هذا السؤال الافتراضى وقال: «لو لم ننفذ البرنامج، كانت أسوأ الافتراضات يمكن ان تحدث». مثلا من أين كنا سنحصل على ٨٠٠ مليون دولار، نحتاجهم شهريا لشراء الوقود؟!. وجاء علينا وقت لم نكن نملك عملة صعبة لشراء بعض الأدوية الضرورية، ومن أين كنا سندفع ثمن محطات الكهرباء الأخيرة؟!
أحد الزملاء سأله: ولكن أنتم اقترضتم كثيرا، وهذا خطر جدا. المحافظ رد: «الأمر يشبه شخص مريض يحتاج إلى إجراء عملية عاجلة لإزالة ورم من بطنه، وإذا لم يجرها سيموت، وهو فى الوقت نفسه لا يملك المال الكاف لإجرائها، فماذا سيفعل؟!
زميل آخر سأل عن أن حصيلة الاحتياطى النقدى، وأن معظمها ديون وودائع، والمحافظ رد بأن ذلك غير صحيح، وبنود الاحتياطى عندنا تتوافق مع المعايير العالمية، ويدخل فيها الودائع والقروض والتدفقات وحصيلة الصادرات. وشرح عامرالأمر بصورة مختلفة قائلا: لدينا الآن احتياطى ٤٤ مليار دولار، ولو أنه 33 مليارا كان سيكون جيدا، باعتبار أنه انخفض ذات يوم إلى أقل من ١٥ مليارا بعد سقوط جماعة الإخوان.
السياسة الرشيدة طبقا لكلامه رأت أنه من المهم جمع أكبر قدر من الأموال «على قد ما نقدر، تحسبا للظروف»، والواقع أثبت أننا اتخذنا القرار الصحيح، لأننا جمعنا وقتها ١٣ مليار دولار من عملية بيع وطروحات السندات طويلة الأجل، الآن سوق هذه السندات انغلق دوليا لأسباب يطول شرحها.
المحافظ قال: بعض المصريين يستكثر دفع بوليصة التأمين على الحريق، ثم يشكو ويصرخ إذا شب الحريق!!
فى تقدير طارق عامر أن المحصلة النهائية لبرنامج الإصلاح ممتازة، و«صار بإمكان البنك المركزى أن يتدخل لضبط السوق فى أى لحظة يريد لكسر أى طرف يريد الاضرار بهذه السوق».
تلك هى وجهة نظر المحافظ، وبالطبع هناك وجهات نظر اخرى لا ينبغى تجاهلها بحثا عن الاستقرار الامثل.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع