بقلم: عماد الدين حسين
حينما تكون هناك أزمات ونزاعات بين الدول، فإنها تبذل كل الجهد لحلها سلميا عبر الحوار والمفاوضات، لكن ماذا لو أن الحلول السلمية فشلت، ووصلت دولة لقناعة جازمة بأن أمنها القومى مهدد فى الصميم؟! هل تلجأ هذه الدولة للحل العسكرى، أم تضع يدها على خدها، فى انتظار اقتناع الطرف المعتدى أنه على خطأ؟!
أطرح السؤال للنقاش، لأنه يشغل بال الكثير من المصريين وبعض العرب، وهم يرون بلدهم يتعرض لتهديدات جدية تتعلق بموارده الاقتصادية فى البحر المتوسط، وحدوده البرية مع ليبيا، وحقوقه المائية فى نهر النيل.
شخصيا أصنف نفسى إنسانا مسالما إلى أبعد الحدود، وتوقفت عن التعصب لغالبية الآراء، اقتناعا بأن هناك آراء ووجهات نظر متعددة، لكل قضية فى العالم أجمع، مهما تصور الكثيرون أنها مقدسة، وأن المفاوضات هى السبيل الأساسى لحل أى أزمة. لكن مرة أخرى ماذا لو كانت الحرب هى الخيار الوحيد والأخير، هل نخوضها أم نؤثر السلامة حرصا على أرواح أولادنا؟!
من الواضح أن «العقدة اليمنية»، ما تزال حاضرة فى الوعى المصرى، رغم مرور أكثر من نصف قرن عليها، حينما أرسل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الجيش المصرى إلى اليمن، لدعم الثورة والجمهوريين ضد حكم الإمامة. هناك وقعنا فى مصيدة واستنزاف لا حدود له، ويعتقد البعض أن ذلك كان سببا فى هزيمتنا فى يونيو ١٩٦٧. ربما كان قرار التدخل فى اليمن خاطئا، وإن كان العدل والمنطق يحتمان مناقشته فى إطار الظروف المختلفة وقتها، وليس بالقواعد والظروف الحالية.
على أى حال الوضع بالنسبة لحقوقنا المائية فى نهر النيل، والاقتصادية بالبحر المتوسط، وحماية حدودنا الغربية، يتطلب فى لحظات معينة، ألا نستبعد أى خيار مهما كان صعبا.
مرة أخرى أرجو ألا يفهم كلامى، بأننى أطالب بالحرب اليوم أو غدا، بل الهدف أن نبدأ فى مناقشة الموضوع بهدوء، وأن نضع كل السيناريوهات المختلفة، وأن يكون عامة الشعب على معرفة واطلاع «إلى حد ما» عليها ليكون سندا وظهرا لحكومته ودولته وجيشه إذا قدر الله أن نختار الخيار الأصعب.
لا توجد دولة فى العالم تفكر بطريقة صحيحة، تخرج وتقول إنها لن تحارب مطلقا، وأظن أن عبارة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بأن «حرب أكتوبر هى آخر الحروب» كانت خاطئة استراتيجيا، ولم تكن موفقة بالمرة سياسيا. حينما يقول رئيس دولة مصر إن هذه هى آخر الحروب، فإنه كمن يعطى شيكا على بياض لإسرائيل ولكل الأعداء، أن يعربدوا فى المنطقة بأكملها. مرة أخرى، لا أطالب بالحرب مع إسرائيل أو تركيا أو إرسال جيشنا إلى ليبيا أو قصف منشآت سد النهضة الإثيوبى، بل أدعو إلى محاولة فهم عقلانى لهذه القضية الحاسمة.
سفير ومسئول سياسى كبير سابق قابلته قبل أيام فى ندوة مهمة ومغلقة عن الصراع العربى الإسرائيلى، وكنا نتكلم فى نفس الموضوع. قال لى إنه لابد من تغيير النظرة السائدة، والتخلص من كابوس اليمن. هو يقول: «لا يوجد منطق فى أن نقول إننا لن نتدخل عسكريا أو نرسل قواتنا خارج الحدود على الإطلاق».
نحن نتحدث دائما عن الدور المصرى فى المنطقة، وهذا الدور لن يكون موجودا ومؤثرا، من دون أن نجازف أحيانا. فى بعض اللحظات يتعرض أمننا القومى للخطر، ولابد من تحرك، حتى يدرك من يستهدفك أنه لن يفلت بتحريضه أو العمل ضدك.
القيادة المصرية تصرفت بصورة صحيحة قبل سنوات، حينما أعطت أوامرها فى 17 فبراير2015، للقوات الجوية بقصف مواقع التنظيمات المتطرفة فى سرت ودرنة، التى ذبحت بوحشية ٢١ مصريا قبطيا فى ليبيا. ثم فعلت ذلك أيضا، فى 26 مايو 2017، حينما ثبت لديها أن نفس التنظيمات كانت مسئولة عن استهداف أتوبيس رحلات كان يقل زوارا لأحد الاديرة بمحافظة المنيا.
تلك كانت تحركات صغيرة جدا ومحدودة خارج الحدود. لكن قد يتطلب الأمر اتخاذ قرارات أوسع وأصعب.
مرة أخرى نحتاج إلى تغيير الثقافة والذهنية السائدة. فالطلاب الذين يجاهدون ويدفعون الكثير مقابل الالتحاق بالكليات العسكرية، عليهم أن يدركوا أن كونه ضابطا، لا يعنى فقط الأبهة والمكانة والنفوذ، بل إنه قد يستشهد فى أى لحظة دفاعا عن بلده ووطنه. نعم الحرب صعبة ومؤلمة ومدمرة، ومعوقة للتنمية وللحياة الطبيعية، لكن فى لحظات معينة لا يكون هناك مفر منها «حتى لا يتجرأ علينا كل من هب ودب».