بقلم - عماد الدين حسين
ما هى الرسالة الأساسية لنتيجة الانتخابات المحلية الأخيرة فى تركيا؟!
أفضل من قدم الإجابة على هذا السؤال حتى الآن هو ايتلجان بإيار النائب السابق لرئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم والذى قال كما نقلت عنه صحيفة زمان التركية يوم الاربعاء قبل الماضى «أن الشعب بعث برسالة لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذى يترأسه الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه لن يسمح للحزب بالانفراد بإدارة البلاد.
هذه هى الرسالة الجوهرية التى يقترض أن تصل لأردوغان وحزبه والى كل حاكم آخر فى أى مكان، بأن إدارة البلدان أكبر من كل شخص، ومن أى حزب، مهما ظن أنه مرسل من العناية الالهية!
هناك الكثير الذى يمكن قوله عن نتائج الانتخابات المحلية، والتى فازت فيها المعارضة برئاسة أكبر خمس مدن فى البلاد، وهى أنقرة وأضنة وأنطاليا وأزمير، واسطنبول والأخيرة طعن فيهما الحزب الحاكم، وطلب إعادة فحص كل صناديق أصواتها. والغريب ان اردوغان الذى يتحدث طوال الوقت، عن احترام كلمة ورأى الصناديق، يحاول الآن التملص من ذلك!!
بايار قال إن المعارضين داخل الحزب الحاكم مستعدين لتشكيل حزب سياسى جديد، وسيعلن عن البرنامج السياسى للحزب الجديد خلال شهر، وسيتولى رئاسته رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، وسيكون بين قياداته أيضا على باباجان، والكثير من الشخصيات التى عملت تحت رئاسة أردوغان.
مشهور عن أردوغان قوله «من يخسر اسطنبول يخسر الحكم». العبارة قالها حينما كان عمدة للمدينة، وانطلق منها ليقود حزب العدالة والتنمية لاكتساح الانتخابات البرلمانية منذ بداية الألفية تقريبا، ثم قفز من الحكومة إلى رئاسة الجمهورية، معدلا الدستور، ليحول نظام الحكم من البرلمانى إلى الرئاسى.
الموضوعية تحتم علينا القول إن فوز «العدالة والتنمية» طوال السنوات الماضية، يعود أساسا إلى نجاحه فى تحقيق نهضة وتنمية اقتصادية مستمرة فى عموم البلاد، وخصوصا فى المناطق الريفية، حيث يسكن الأكراد فى شرق البلاد، وتحسين أحوال الطبقة الوسطى، معطوفا على ذلك، اللعب على مشاعر البسطاء دينيا، الأمر الذى وفر له قاعدة شعبية كانت تعطيه دائما الأغلبية فى كل أنواع الانتخابات والاستفتاءات، بل وتمكن عبرها من تقليم أظافر المؤسسة العسكرية، مستغلا دعم الاتحاد الأوروبى له، لكى تتأهل بلاده لاحقا للانضمام إلى الاتحاد وهو ما لم يحدث.
كل ما سبق كان من الماضى. صحيح أن «العدالة والتنمية» فاز بالأغلبية العددية فى الانتخابات المحلية الاخيرة، بفضل تحالفه مع «حزب الحركة القومية» اليمينى المتشدد، لكن خسارته غالبية المدن الكبرى، كانت موجعة، وتعطى إشارة غاية فى السلبية إلى المستقبل الذى قد ينتظر الحزب وزعيمه.
نقطة قوة أردوغان وحزبه وهى الاقتصاد انهارت تماما بعد الأزمة الطاحنة، التى ضربت الاقتصاد التركى فى الشهور الماضية، وأدت إلى انهيار الليرة، واضطرار أردوغان إلى تجرع الدواء المر برفع أسعار الفائدة، وهو الأمر الذى كان يرفضه تماما.
هناك أزمة ديون هائلة تعانى منها تركيا تزامت مع صدام تجارى صعب مع الولايات المتحدة، على خلفية سياسية، الأمر الذى دفع أردوغان أيضا إلى الرضوخ والافراج عن القس الأمريكى الانجيلى اندرو برانسون بعد تهديدات أمريكية سافرة.
علاقات أردوغان وحزبه مع أوروبا، خصوصا ألمانيا وهولندا متوترة جدا، وبعد أن كان النظام يتباهى بأنه حقق استراتيجية «صفر مشاكل»، صار فى مشاكل حقيقية مع العديد من بلدان العالم، خصوصا دول الجوار بعد التورط فى سوريا.
صار أردوغان هو الراعى الرسمى لتنظيم القاعدة أو «النصرة» أو «فتح الشام» ويستخدمه بوضوح لفرض رؤيته على الأرض. هذا التورط جعل تركيا تكتوى من جهة بنيران الحرب السورية، ثم تدخل فى صدام مع الأكراد، حتى لا يحصلوا على المزيد من الحكم الذاتى فى سوريا، فتنقلب الموازين على الجبهة الكردية التركية.
لم يعد لأردوغان من حلفاء إلا قطر والتنظيم الدولى لجماعة الإخوان، الرجل صار يتصرف فعلا باعتباره خليفة المسلمين أو المرشد الأعلى أو السلطان العثمانى خصوصا حينما استغل الحادثة الإرهابية الإجرامية العنصرية ضد مسجدين فى نيوزيلاندا قبيل أسابيع قليلة.
من المبكر الحكم على مستقبل أردوغان بعد خسارة حزبه لهذه المدن الكبرى، وربما ما يوجعه أكثر انه شخصيا هو من تولى الدعاية الانتخابية الأخيرة لحزبه، لكن المؤكد أن هناك جرس إنذار كبير قد رن فى قصر حكم اردوغان الفاخر!!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع