من الطبيعى أن يحاول الرئيس التركى رجب طيب أردوغان تصوير صراعه مع إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب باعتباره صراعا دينيا بين الإسلام والمسيحية، أو بين الحق والباطل، لكن أليس من الطبيعى أن يفكر أنصار أردوغان ومريدوه فى صحة هذا الأمر؟!.
استغلال الدين ــ أى دين ــ فى الصراعات السياسية أمر قديم ومعروف ومجرب منذ بدء ظهور الأديان، ومن المتوقع أن يستمر، حتى تقوم الساعة. أردوغان يقول إن الله معه فى صراعه مع ترامب، والأخير يفعل الأمر نفسه، والضحية فى المنتصف هم الجماهير فى كلا الطرفين، الذين يعتقد معظمهم أن القضية فعلا بين الإيمان والكفر، أو الحق والباطل، وليست فى جوهرها مصالح شخصية أو قومية أو اقتصادية من أجل النفوذ والمكاسب.
أنصار ومجاذيب أردوغان الذين يهللون خلفه ليل نهار هذه الأيام، لا يفكرون فى معظم الأوقات بعقولهم، بل بقلوبهم، ويعتقدون فعلا أن أردوغان سوف يعيد دولة الخلافة انطلاقا من اسطنبول لتسيطر على معطم بلدان العالم، كما فعلت بداية من عام ١٥٠٠ ميلادية، فى زمن محمد الفاتح.
هذه الفئة لا تريد أن تتوقف قليلا لتدرك أن تركيا عضو مهم جدا فى حلف الأطلنطى، ليس فقط فى زمن الحكومات العلمانية الأتاتوركية، ولكن حتى هذه اللحظة فى زمن حكومات حزب العدالة والتنمية ــ ذى الخلفية الاسلامية ــ الذى يترأسه أردوغان، واتضح لنا جميعا، من أقوال وممارسات وأفعال أردوغان منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ أنه أقرب إلى جماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسى، منه إلى أى أفكار علمانية، بل هو استخدمها فقط كتقية، للوصول إلى السلطة وتثبيت أركان نظامه، والحد من نفوذ الجيش.
الطائرات الأمريكية والغربية «المسيحية» ما تزال تنطلق من قاعدة انجرليك التركية لتنفذ كل عملياتها فى منطقة الشرق الأوسط.
هؤلاء الانصار أيضا فى المنطقة العربية، يتحدثون عن «الشيطان الامريكى»، لكنهم ينسون أنهم يوفرون له أكبر قاعدة عسكرية فى العالم كله فى العيديد القطرية!!.
حتى هذه اللحظة أيضا لا يريد أنصار أردوغان تصديق أن هناك علاقات عادية جدا بين تركيا «الإسلامية» وإسرائيل الصهيونية. هى توترات فى بعض الأحيان، وتشهد صراعات واشتباكات لفظية ساخنة. لكنها علاقات مستقرة. وجزء كبير من الصادرات التركية للمنطقة العربية يمر عبر الموانئ الإسرائيلية فى البحر المتوسط.
نفس الأمر ينطبق على دونالد ترامب الذى يصرخ ليل نهار بعبارات حماسية ضد تركيا، لكن الدولة الأمريكية العميقة تردعه طوال الوقت، خصوصا فى وزارة الدفاع ووكالات الاستخبارات الأمريكية، الذين يدركون أهمية تركيا للاستراتيجية الأمريكية والغربية، فى إطار الصراع المرير مع روسيا أولا، وأهمية تركيا فى أى صراع كبير محتمل مع إيران ثانيا، وثالثا لمحاولة معادلة النفوذ الروسى المتزايد فى سوريا والمنطقة. وليس مستبعدا أن تتمكن هذه الدولة العميقة من إزاحة ترامب وركله خارج البيت الابيض، على خلفية قضية التدخل الروسى فى الانتخابات التى تتصاعد يوما بعد يوم.
المريدون والدراويش فى كلا الطرفين يدخلون فى صراعات عبثية على مواقع التواصل الاجتماعى، ويعتقدون أن الحرب التركية ضد أمريكا وإسرائيل سوف تندلع بعد لحظات قليلة، مركزين فقط على بعض التصريحات الصارخة لفظا من هذا المسئول أو ذاك.
هم حتى لا يريدون أن يركزوا على جوهر تصريحات أردوغان وليس شكلها، حينما يؤكد مرارا أن بلاده تلقت طعنة فى الظهر من «الشريك الاستراتيجى» لها وهو الولايات المتحدة. وبالتالى فهو ليس فى صراع مع واشنطن، ولكنه مقهور من طريقة تصرفها معه.
أردوغان يريد من ترامب أن يسلمه عبدالله جولن ومارس الطرفان «لعبة عض الأصابع»، منذ فشل انقلاب يوليو ٢٠١٦، لكن واشنطن ترفض تسليمه، كما أن أردوغان لا تعجبه العلاقات المتنامية بين واشنطن وأكراد سوريا، لذلك حاول أن يؤثر عليها بأكثر من ورقة، منها اقترابه أكثر من روسيا وإيران.
ربما يريد أردوغان أن يصبح الخليفة الإسلامى، أو السلطان العثمانى الجديد، وربما يريد ترامب أن يصبح زعيما للتيار المسيحى اليمينى المحافظ لإرضاء قاعدته الانتخابية لكن معظم المراقبين يقولون إن الاثنين ــ شأن كل الزعماء ــ يستخدمان شماعة الدين لتخدير الجماهير المغلوبة على أمرها، والتى تتأثر كثيرا بسلطان الدين.
والمأساة أنه مع صراعات من هذه النوعية، فالمتوقع أن تدفع المنطقة والعالم أثمانا باهظة فى المستقبل، لأن تلك هى البيئة الخصبة لازدهار الدواعش فى كل الأديان!.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع