بقلم: عماد الدين حسين
فيروس كورونا الذى يضرب البشرية بأكملها الآن، وبالتالى هو يحتم علينا جميعا الاجتهاد فى البحث عما يعزز إنسانيتنا، فى مواجهة هذه الكارثة غير المسبوقة، فى شموليتها وأضرارها وأخطارها.
هذا الفيروس ربما كان الأكثر إشعارا وتنبيها للبشرية جمعاء بأننا جميعا فى مركز واحد، إما أن ننجو جميعا أو نفنى جميعا، لأن الفيروس لم يُفرِّق بين دولة كبيرة وأخرى صغيرة، بين غنى وفقير، بين مسلم ومسيحى، بين بوذى وهندوسى، بين شمال وجنوب أو شرق وغرب.
أحيانا نرتكب أخطاء قاتلة ولا نعرف أنها ضد الإنسانية، على سبيل المثال حينما يعرف بعضنا أن شخصا ما قد أصيب بالفيروس، للأسف يتحول فى نظر الكثيرين منا إلى شخص ينبغى الفرار منه وكأنه أجرب!.
من المهم صحيا أن نتجنب انتقال المرض إلينا، لكن ذلك لا ينبغى أن يتم بصورة تجرح وتهين المصابين أو المشتبه فى إصابتهم، هذا المصاب فى أشد الاحتياج إلى التعاطف الإنسانى، رأينا فيديوهات كوميدية متعددة فى الأيام الأخيرة لشخص يعطس، فيقوم الآخر بقتله فورا، هى تصلح نكتة، لكن لا ينبغى خلط الجد بالهزل.
صديق عزيز لفت نظرى إلى خطورة ترديد بعض الكلمات والتعبيرات التى نكررها كل يوم، دون أن ندرى خطورتها على المصابين مثل كلمة عزل أو حجر صحى، هى كلمات صحيحة وطبية وعلمية، لكن وقعها سيئ على أصحابها، لأنها تظهرهم باعتبارهم «كائنات موبوءة» ينبغى التخلص منها.
ما فعله قلة من المصريين مع المواطن الصينى على الطريق الدائرى فى بداية انتشار الفيروس، حينما أنزله سائق تاكسى أوبر من السيارة، ورفض الجميع التوقف له، أمر مخجل، وحينما تم القبض على هؤلاء، والاعتذار للمواطن الصينى كانت إشارة بأن مخزون الإنسانية ما زال بخير فى هذا الوطن.
قبل أيام نشرت سيدة أجنبية مصابة وتقضى فترة علاجها فى مستشفى العجمى بالإسكندرية، فيديو تشيد فيه بالممرضة المصرية التى تعالجها، والمعاملة المحترمة التى تتلقاها، هذا أمر مشرف ويجعلنا بدورنا نشيد بسلوك هذه الممرضة.
وبالمناسبة ما فعلته هذه الممرضة هو الأصل وهو الطبيعى، الذى يفترض أن تفعله أى ممرضة فى أى مستشفى بالعالم، لكن يبدو أن اختفاء العديد من القيم والعادات الطبيعية المحترمة، جعلنا نحتفى بأى سلوك جيد باعتباره أمرا نادرا!.
من السلوك المعزز للإنسانية فى هذه الأيام ألا يتكالب معظمنا على المحلات التجارية، ونقوم بتخزين كميات ضخمة من السلع، مما سيؤدى بصورة آلية إلى اختفائها بسرعة، ورفع أسعارها فى حين تؤكد الحكومة كل يوم أن المخزون من السلع الرئيسية جيد ويكفى شهورا، وهو الأمر الذى نصدقه لأننا نراه بأعيننا فى المحلات التى نتردد عليها فى القاهرة، أو المحافظات.
التخلص من الأنانية ومن شعار «أنا وبعدى الطوفان» أمر فى غاية الأهمية هذه الأيام، لأن كل سلعة تشتريها وأنت لا تحتاج إليها الآن معناها ببساطة أنك تحرم منها شخصا آخر، مما سيؤدى إلى رفع سعرها على الجميع، وقد لا تستفيد منها لأنها ربما تفسد بحكم طول وقت تخزينها.
من الإنسانية أيضا احترام الأطباء والممرضين وسائر العاملين فى المنظومة الصحية، وتوجيه الشكر المستمر لهم، نظير الجهد الهائل الذى يبذلونه ليل نهار وهم خط الدفاع الأول فى محاربة الفيروس.
هؤلاء يحتاجون إلى سماع كلمة الشكر طوال الوقت، حتى يستمروا فى عملهم البطولى، ففى اللحظة التى تجلس فيها أنت أمام جهاز التلفاز، وأمامك كل أنواع المأكولات والفواكه والحلويات، يلاحق العاملون فى المنظومة الصحية الزمن، من أجل إنقاذ مصاب، وربما يصاب بعضهم بالفيروس بسبب قلة الموارد أو كثرة عدد المصابين وانتشار الفيروس فى المكان، وقد رأينا نماذج منهم دفعت حياتها مثل أستاذ التحاليل الطبية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد اللواح، وممرضة وصيدلى.
أحد الجوانب الإيجابية القليلة لفيروس كورونا، أنه جعلنا نعيد اكتشاف إنسانيتنا، فى العديد من المجالات، وأن كلمة طيبة أو لفتة صغيرة أو عبارة شكر أو مساهمة فى مساعدة صديق أو جار أو أى شخص لا تعرفه، قد تفرق كثيرا مع الآخرين، وتجعلنا قادرين على هزيمة هذا الفيروس.
مرة أخرى هذه الأيام فرصة طيبة علينا أن ننتهزها لنعزز إنسانيتنا قدر المستطاع، علما أننا سنواجه مشكلة عالمية أكبر مستقبلا، وهى أن الدول ستحاول الانعزال عن بعضها البعض، والبحث عن حلول فردية للخلاص، خصوصا بعد فشل العولمة فى مواجهة الفيروس، بل وفشل كيان كبير مثل الاتحاد الأوروبى فى مساعدة أعضائه خصوصا إيطاليا وإسبانيا.