بقلم: عماد الدين حسين
قبل أيام قليلة تولى الاقتصادى الكبير محمد العريان رئاسة كلية كوينز بجامعة كامبريدج البريطانية، وزارته الملكة اليزابيث الثانية لتقديم التهنئة إليه. العريان هو قصة نجاح مهمة وملفتة وملهمة. هو مولود فى نيويورك فى ١٩ أغسطس ١٩٥٨. والده الدكتور عبدالله العريان استاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة. وسفير مصر الأسبق فى فرنسا، والقاضى فى محكمة العدل الدولية. وأمه نادية شكرى ابنة عم المهندس إبراهيم شكرى رئيس حزب العمل الراحل.
العريان تلقى تعليمه فى أمريكا وفرنسا وبريطانيا ومصر. وحصل على شهادتى الماجستير والدكتوراه فى الاقتصاد من جامعة اكسفورد فى بريطانيا. صار خبيرا اقتصاديا عالميا مرموقا يتنقل بين المناصب القيادية حول العالم، حتى اختاره الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما رئيسا لمجلس «الرئيس للتنمية العالمية»، بعد الأزمة الشهيرة التى ضربت الاقتصاد الأمريكى فى ديسمبر ٢٠١٢.
هو أيضا كبير مستشارى شركة اليانز، وأدرج لأربع سنوات على قائمة مجلة فوربس ضمن أهم ١٠٠ مفكر عالمى. شغل منصب الرئيس التنفيذى لمؤسسة بيمكو العالمية صاحبة أكبر مستثمر سندات فى العالم قيمتها أكثر من تريليون دولار من ٢٠١٠ حتى ٢٠١٤، وعمل لمدة ١٥ سنة لدى صندوق النقد الدولى فى واشنطن، وتولى إدارة الوقف الاستثمارى لجامعة هارفارد بقيمة ٣٥ مليار دولار، وحقق أعلى عائد للجامعة فى تاريخها بنسبة ٢٣٪ وفاز بجوائز دولية عدة منها فاينانشيال تايمز وجولدن مان ساكس عن كتابه الشهير «عندما تتصادم الأسواق»، واستراتيجيات الاستثمار لعصر التغيير الاقتصادى العالمى «عام ٢٠٠٨».
طبعا ما سبق هو نبذة سريعة جدا عن أبرز محطات محمد العريان، وهو شىء مشرف أن يصل شخص من أصل مصرى إلى هذه المناصب المرموقة. لكن السؤال الجوهرى الذى يجب أن نطرحه بشجاعة، هو: إلى أى حد كان لنا كمصريين فضل فى وصول العريان إلى ما وصل إليه؟!
أطرح هذا السؤال ليس لجلد الذات، ولكن حتى نعرف على أى أرضية نقف، وحتى لا يتسبب التهليل الأجوف فى عدم مناقشة قضايانا بمسئولية، تجعلنا نصحح اخطاءنا ونبدأ السير على الطريق السليم.
من يقرأ السيرة الذاتية لمحمد العريان، سيكتشف أنه لم يمكث فى مصر إلا فترات قليلة جدا. هو ولد وتعلم فى الخارج، وحتى مقالاته يكتبها بالإنجليزية،؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ك. هو أمر لا يعيبه، لأنه نشأ وترعرع بالخارج، ودرس بالإنجليزية وصار يفكر بها.
حينما تم اختياره قبل أيام رئيسا لكلية كوينز المرموقة، قال البعض وهتف: «تحيا مصر». نعم تحيا مصر فى كل وقت وحين، وليس عيبا أن نفخر أن شخصا من أصل مصرى، قد وصل إلى هذه المكانة، لكن علينا أن نكون أمناء وننسب الفضل لأهله، ونعترف بأننا بأوضاعنا طوال أكثر من نصف قرن مضت، لم يكن لنا دخل فيما وصل إليه العريان أو أمثاله.
أحمد زويل تخرج من جامعة الإسكندرية نعم، لكن وصوله للعالمية لم يكن عن طريقها، ولكن لأنه التحق بالجامعات الأمريكية التى وفرت له المناخ المناسب، فتألق وأبدع وحصل على جائزة نوبل. والدكتور مصطفى السيد، لم يبدع إلا حينما هاجر للولايات المتحدة، وصار رائدا لعلاج السرطان بتقنية النانو.
والدكتور ممدوح شكرى تولى رئاسة جامعة يورك، فى تورنتو، بعد أن هاجر من مصر فى بداية السبعينيات، وفى هذا البلد تحديدا آلاف العلماء المصريين الذين وصلوا لمناصب مرموقة بفضل البيئة العلمية المساعدة.
هذا الأمر ينطبق على آلاف العلماء المصريين فى بلدان العالم المتقدم، وقد رأيت بعضهم فى كندا وأمريكا وبريطانيا.
نحن لدينا مواهب وعقليات نابغة كثيرة موجودة داخل مصر، لكن الروتين القاتل والسياسات المتبعة منذ عشرات السنين قتلت روح البحث العلمى، وأدت إلى تكهين عقول المصريين فى الداخل، فى حين أن من أسعده الحظ، وسافر للخارج تمكن من اثبات ذاته.
الأمر نفسه ينطبق على كرة القدم. قارنوا حالة محمد صلاح وهو يلعب فى المقاولين العرب، أو حتى لأى نادٍ مصرى آخر، وحالته وهو يلعب الآن مع ليفربول. مرة أخرى لا نريد جلدا للذت، ولا نريد إهالة التراب على بعض ما يتحقق من نقاط ضوء. لكن علينا ألا ننسى حالنا وهو بفعل تراكم أخطاء وخطايا طوال عقود مضت، وبالأخص منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى.
ليس عيبا أن نحتفل بمحمد العريان أو بمحمد صلاح، لكن التحدى الأكبر أن نتمكن من تقديم أمثالهما عبر الداخل وليس الخارج!!