يوم السبت الماضى قال عمرو الجارحى، وزير المالية، فى لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان: إن حجم الديون بلغ 4.3 تريليون جنيه، وأن فوائد هذا الدين تمثل 36% من إجمالى المصروفات وأن التحدى الأضخم يتمثل فى حجم المديونية، وأن مديونية قطاع الطاقة بلغت قرابة تريليون جنيه، وفى نفس الاجتماع قال عصام الفقى، أمين سر اللجنة: إن فوائد الدين فى موازنة العام الماضى بلغت 242 مليار جنيه ارتفعت إلى 380 مليارا هذا العام، وسوف ترتفع إلى 541 مليارا فى العام المالى المقبل.
فى نفس التوقيت الذى كان يتكلم فيه الجارحى، كنت أجلس مع خبير دولى مرموق، مطّلع بدقة على الأوضاع الاقتصادية، وقال «إن الدين السيادى المصرى مرتفع للغاية».
لم أقتبس كلمات أو تعبيرات لمعارضين مصريين، أو رافضين لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، ولكن استعنت بكلمات وزير المالية، الأكثر همًا بموضوع الديون، وكذلك برأى خبير عالمى يدعم بقوة برنامج الإصلاح، حتى لا يتهمنى أحد بأننى أتربص أو «أصطاد فى الماء العكر!».
طبقا للبيانات الرسمية، فإن حجم الدين الداخلى 3.16 تريليون جنيه بنهاية يونيه الماضى، فى حين أن الدين الخارجى قفز إلى 82.9 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضى، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق.
غالبية من أعرفهم ويفهمون فى الاقتصاد ــ من مؤيدى الحكومة بل وبرنامج إصلاحها الاقتصادى ــ يحذرون طوال الوقت من خطر المديونية، خصوصا الخارجية المقومة بالدولار الأمريكى.
مبدئيا أقدر الظروف التى اضطرتنا إلى الاستدانة فى بعض القروض المهمة جدا، التى لولاها لربما واجهت مصر ظروفا لم يكن يعرف عواقبها إلا الله، خصوصا بعد ثورة يناير ٢٠١١، حيث اضطرننا لطبع البنكنوت بكثرة من دون غطاء لصرف رواتب الموظفين.
يقول البعض إنه كان هناك حاجة ملحة للاقتراض فى السنوات الأربع الماضية، لإقامة بنية تحتية ومشروعات قومية كبرى، لم يكن هناك بد من إقامتها، لكن هل كل الديون التى اقترضتها الحكومة منذ ٢٠١١، ينطبق عليها شرط الحتمية؟!.
لا أستطيع أن أفتى بدقة فى هذا الأمر، لكن معظم من أعرفهم من خبراء، يقولون إن السؤال ليس دقيقا بشأن هل كان يفترض أن نحصل على هذا القرض أم لا، لكن السؤال الجوهرى هو: حتى إذا كانت بعض القروض مهمة وحيوية فإن المعيار الرئيسى هو مدى خطورتها على الاقتصاد المصرى خصوصا فى المستقبل.
لا أنسى بالمرة قول خبير اقتصادى مرموق حينما كنا نتحدث عن «المؤامرة» التى نرددها جميعا صباحا ومساء ــ هو لم ينكرها ــ لكنه يخشى أن يكون أحد أوجه المؤامرة الفعلية أن يتم إغراقنا فى الديون الخارجية، فالمؤامرة ليس أن أحاربك فقط، أو أدعم الإرهابيين بالتمويل والتخطيط والإرشاد والمنصات الإعلامية، لكن أيضا حينما أجعلك تعتمد بالأساس على القروض، بصورة تبدو أقرب إلى الإدمان!!.
قبل نحو عام، طلب الرئيس عبدالفتاح السيسى من الحكومة، عدم الاستدانة إلا لـ«الشديد القوى». والبعض يعتقد واهمًا أن وزيرة الاستثمار هى صاحبة قرار الاقتراض، الحقيقة أن كل وزارة على حدة تتفاوض على القروض وتطلبها وتوافق لها الحكومة على ذلك، ثم تقوم وزارة الاستثمار بتنفيذ ما قررته الحكومة.
كثيرون يقولون: «علينا ألا ننسى حينما أغرقت أوروبا وخصوصا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا، مصر فى الديون زمن الخديو إسماعيل، وحينما عجزنا عن السداد، فرضوا علينا إنشاء صندوق الدين العام فى 2 مايو 1876، الذى يتلقى كل إيرادات الحكومة، ويسدد بها الديون التى بلغت أقساطها وفوائدها أكثر من 70% من مصروفات الميزانية وقتها، وكان هناك ممثل للدول الدائنة فى كل وزارة مصرية، كان هو الآمر الناهى».
أتمنى أن ننظر إلى الأمام، وأن يكون هناك قرار استراتيجى بوقف الاقتراض تماما، حتى نعرف «راسنا من رجلينا» كما يقولون، وحتى نفكر فى الطريقة التى سنسدد بها هذه القروض مستقبلا، علما أن البعض يقول إن الدين الخارجى أكثر من 82 مليار دولار، حينما نضيف عليه ديون الهيئات الاقتصادية والبنوك وقرض محطة الضبعة النووية من روسيا والبالغ ٢٥ مليار دولار.
الحكومة أبلت بلاء حسنا فى عملية الإصلاح الاقتصادى، على الرغم من أن ملايين الفقراء هم من دفعوا الثمن الأكبر، ولم يكن هناك بديل فعلى لهذه العملية، لكن علينا أن نفكر تريليون مرة قبل أن نقترض «سنتا» جديدا من الخارج!.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع