«بفكر أحجز فى القهوة اللى جنب بيتنا الماتش الجاى.. رغم إنى ماليش فى الكورة خالص».
هذه العبارة البليغة قرأتها على صفحة الروائى عمرو العادلى فى الفيسبوك صباح الأربعاء الماضى، وهى تعكس إلى حد كبير الروح الإيجابية جدا، التى بثها اللاعب محمد صلاح نجم ليفربول الإنجليزى فى معظم المصريين والعرب، وأحيانا شباب على مستوى العالم.
عندما يكون أديبا ليس مهتما بالكرة، ويفكر فى الجلوس على مقهى، فمعنى ذلك أن تأثير نموذج صلاح صار طاغيا.
كلام العادلى ليس حالة فردية..أعرف مستثمرا مصريا كبيرا جدا هو الدكتور أحمد محمد حسنين هيكل. هو واحد من أكبر خمسة مستثمرين ورجال أعمال فى مصر تقريبا.
هذا الرجل لم يكن مهتما بالكرة على الإطلاق. حياته مركزة على أسرته وأعماله والبورصات الدولية والأسواق العالمية. هو كثير الأسفار، ومطلع على أحدث تطورات الاقتصاد والسياسات الدولية، ولم يكن يعتقد أنه سيهتم بالكرة فى يوم من الأيام، على الرغم من أنه كان يشجع الأهلى حينما كان شابا.
عندما بدأت ظاهرة صلاح وتألقه مع ليفربول، بدأ يسألنى قليلا عن اللاعب. لم يكن ذلك بسبب ما ينشر عنه فى الصحافة المصرية، بل ما ينشر أساسا فى الصحافة العالمية، التى يطالعها الرجل جيدا. الآن لا تمر مباراة للفريق الإنجليزى إلا ويشاهدها هيكل، وهو يعرف عدد أهدافه والأرقام القياسية التى حطمها أو ينتظر أن يحطمها.
ما فعله الأديب والمستثمر، يفعله معظم المصريين الآن تقريبا. مساء الثلاثاء الماضى اقترح الصديق والإعلامى الكبير أحمد المسلمانى، أن نشاهد مباراة ليفربول وروما فى الدور قبل النهائى لدورى أبطال أوروبا فى مكان قرب كوبرى قصر النيل. كنا عشرين شخصا تقريبا ما بين كتاب ومقدمى برامج ورؤساء تحرير صحف ومستشارين ورجال أعمال ودبلوماسيين، جاءوا من أماكن متعددة متحدين الأمطار الكثيرة التى أصابت غالبية الطرق والشوارع بالشلل.
لم يكن عندى فكرة أن غالبية هؤلاء مهتمون بالكرة وصلاح، بهذه الصورة. لكن عندما بدأت المباراة، فوجئت باستعداد واستنفار، بل ومشاغبات للحصول على أفضل المقاعد أمام الشاشة الكبيرة.
بسبب صلاح صار معظم المصريين مشجعين متحمسين لفريق ليفربول، بعد أن كانوا يشجعون بنفس الحماس فريقه السابق روما الإيطالى، وكل فريق لعب له قبل ذلك مثل فيورنتينا أو بازل السويسرى.
فى كل فرصة كان فريق ليفربول يهدرها أمام مرمى روما كان الحاضرون يصيحون غضبا، ويصبون جام غضبهم على اللاعب السنغالى ساديو مانيه، حينما أهدر أكثر من فرصة فى النصف ساعة الأولى من المباراة. وفى المقابل كانوا يهللون لكل كرة يلمسها محمد صلاح حتى لو كانت عادية!.
فى اللحظة التى سجل فيها صلاح الهدف الأول اختلط الحابل بالنابل. كل هؤلاء البهوات تخلوا عن هيبتهم، وقفزوا فرحا، ومعهم الموظفون والعاملون فى الكافيتيريا.
الجميع احتضنوا بعضهم البعض، وكأن الذى فاز هو منتخب مصر، حينما صعد لنهائيات كأس العالم، وليس فريقا إنجليزيا يلعب له لاعب مصرى.
هذا السيناريو تكرر فى الهدف الثانى الذى سجله صلاح ببراعة واقتدار قبل نهاية الشوط الأول مباشرة. ثم تواصل التركيز والانبهار بصلاح وفريقه حتى خرج فى منتصف الشوط الثانى تقريبا، بعد أن صنع هدفين رائعين.
نعرف ما حدث فى بقية المباراة، وكيف سجل روما هدفين مقابل خمسة دخلوا مرماه. الحاضرون جميعهم تحولوا إلى نقاد محترفين، ووجهوا لوما عنيفا للمدرب كلوب، الذى أخرج صلاح.
نترك تفاصيل المباراة إلى «حالة صلاح» التى صارت حديث كل المصريين تقريبا فى معظم الأوقات. غالبية الصحف اليومية صارت تضع صورته فى صفحاتها الأولى، إضافة إلى موضوعات موسعة بالداخل، وكذلك الفضائيات والمواقع الإخبارية.
صلاح صار «حالة إجماع» ليس بين كل المصريين فقط ولكن بين العرب أيضا، وعبر عن ذلك بوضوح مذيع المباراة التونسى حينما قال أكثر من مرة إنه «فخر العرب»، بل إن وزير الدفاع الصهيونى الإرهابى الكبير، أفيجدور ليبرمان حاول أن يستظرف ويطلب من رئيس أركانه محاولة ضم صلاح إلى جيش الاحتلال!!!.
صلاح لم يعد مجرد لاعب كرة حريف وموهوب، بل صار رمزا للإجادة والإتقان والاحترام والتعلم والأخلاق والتدين المعتدل، وتقديم صورة براقة للمصريين والعرب والمسلمين، يعجز معظمنا عن تقديمها.
الموضوع ليس كرة قدم، بل يحتاج إلى خبراء فى علم الاجتماع والسياسة والنفس وغالبية المجالات، كى يشرحوا لنا كيف يمكن لشخص واحد أن يفعل كل هذا التأثير؟!.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع