«الدبلوماسية والإعلام.. من يحرك الآخر؟». هذا السؤال كان عنوانا لجلسة مهمة فى منتدى الإعلام السعودى، الذى انعقد بالرياض يومى الإثنين والثلاثاء الماضيين. الجلسة شارك فيها أربعة سفراء سعوديين، أولهم أسامة نقلى السفير «القاهرة»، وتركى الدخيل «أبوظبى»، وعلى عوض العسيرى «بيروت سابقا»، وفيصل بن حسن طراد «جنيف سابقا». هذا السؤال يسأله كثيرون، ولو غيرت أسماء المتحدثين أو مكان الجلسة فإنك يمكن أن تتخيله مطروحا فى مختلف أنحاء العالم.
طريقة طرح السؤال، قد تعطى إيحاء بأن هناك طرفا يحرك الآخر، وربما الإجابة الأكثر صحة، تذهب فى اتجاه مخالف تماما.
السفير على عسيرى يعتقد أن الطرفين، يؤثر كل منهما فى الآخر، وربما كان الإعلام الاكثر تأثيرا وهو بالتالى من يحرك الدبلوماسية، ويرى أن الإعلام صار قاتلا، وهناك حكومات عربية كثيرة انهارت بسبب الإعلام فى بدايات الربيع العربى. وهنا نتذكر دور قناة «أون تى فى»، ودورها فى استقالة أو إقالة رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق فى الأيام الأولى لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.
كلام السفير أسامة نقلى، ربما كان أكثر دقة، فهو يقول إن السياسة هى من ترسم الخطط والسياسات، والدبلوماسية تنفذ، والإعلام ينشر وينقل، وبالتالى فالعلاقة ليست فى اتجاه واحد، وكل عنصر يؤثر فى الآخر.
فيصل بن طراد يعرِّف الدبلوماسى بأنه الشخص الذى يفكر مرتين قبل ألا يقول شيئا!. هو يرى أن الدبلوماسية أقدم من الإعلام، لكن الأخير صار أكثر قدرة على تزييف الحقائق وبث الإشاعات.
تركى الدخيل كان أكثر ارتباطا بالواقع، بحكم أنه إعلامى كبير، وشغل العديد من المناصب، منها إدارة قناة «العربية»، ثم صار سفيرا فى الإمارات.. هو يقول إنه صار لدينا كائن جديد اسمه السوشيال ميديا، ولذلك تغير دور الدبلوماسى التقليدى، ويرى أن مقولة معاوية بن أبى سفيان هى أفضل تعريف للدبلوماسية: «لو أن بينى وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها».
السوشيال ميديا يمكنها أن تسهل أو تصعب دور السفراء، والأصح أن الدبلوماسى يفترض ألا ينظر للإعلامى باعتباره خصما، لأنه سيحتاج إليه فى أوقات كثيرة، خصوصا حينما يريد أن تمرر رسالة أو خبر.
الأمر نفسه أكد عليه أسامة نقلى، بقوله: إن العلاقة تكاملية، وكل طرف له قواعد وقوانين وأطر يتحرك فيها.
نقلى حكى موقفا طريفا وقال: «أحد الإعلاميين سألنى عن قضية معينة، فقلت له إن الوقت لم يحن بعد للإجابة.. هو استمر فى الإلحاح وقال لى إنه يتعهد بعدم نشر إجابتى، فقلت له: لو أفشيت لك معلومة سرية ما صرت دبلوماسيا محترفا، ولو كانت لديك معلومة ولم تنشرها، لن تكون إعلاميا محترفا».
كثيرون لا يدركون أن الدبلوماسى ليس صانعا للسياسات، لكنه منفذ لها، وكثير من الإعلام المحلى ينتقد دبلوماسييه، لأنهم لا يتحدثون إليه، وهم لا يدركون أن رسائل ودور الدبلوماسى موجهة للإعلام الأجنبى أكثر منه للمحلى.
نقطة مهمة التفت إليها تركى الدخيل، وهى أن التسارع فى التقنية صار يفرض على الدبلوماسى والسياسى السرعة فى اتخاذ القرار، كما يفرض ذلك ضرورة إعطاء مساحة حركة أوسع للدبلوماسى، فمثلا إذا أردت أن تنفى إشاعة، فلا يجب أن تعود للمراجع فى كل مرة، لأن الوقت لا ينتظرك.
نقلى قال إن الدبلوماسية الشعبية ليست متعلقة بوزارة الخارجية فقط، بل هى فى الأساس تمارسها كل الوزارات والأجهزة والمؤسسات.
الوزير الكويتى السابق سعد بن طفلة العجمى سأل من يقوم بالتسريب للإعلام أكثر: المستوى الأمنى أم الدبلوماسى؟!.
الدخيل قال إن الأصل أن نوفر للإعلام المعلومات، قبل أن نلومه، وليس كل إعلام يجب أن يكون انعكاسا للحكومة.. ووظيفة الدبلوماسى تختلف حسب الدولة ونظام الحكم فيها، وهل هى صديقة أو خصم أو منغلقة أو منفتحة.
الدخيل قال كلاما مهما أيضا هو: يجب ألا نكون حالمين أكثر مما ينبغى بل أن نكون صادقين مع أنفسنا.. والإعلام مثل الكأس، إما أن تملأها أنت، أو يملأها غيرك، وإذا انتظرت أن يملأها غيرك، فإنك تحتاج إلى أربعة أضعاف الكمية المملوءة لتزيل ما ملأه غيرك، ثم تقوم بملء المادة أو وجهة النظر الخاصة بك.
وعلينا أن نعرف العالم بالسعودية كما هى بوضعها الطبيعى، نحن لسنا ملائكة ولسنا شياطين.. وهذا أفضل من أى وسائل تحميل.
السفير النقلى قال إن الإعلام الجديد ليس شرا دائما، فهو من أوصل الدبلوماسية إلى قطاعات واسعة من الجمهور. ودور الإعلام ليس نفى الشائعات بل تقديم الحقائق والمعلومات والأحداث.
انتهت الجلسة، وشعرت أن الكلام ينطبق علينا جميعا كعرب!!.