بقلم: عماد الدين حسين
من بين هذه الأشياء الجيدة القليلة فى هذه الأيام الصعبة، أن الكثيرين منا يوجهون الشكر للجهاز الطبى فى مصر، على الجهد الخرافى الذى يبذله لمواجهة فيروس كورونا.
العالم كله مدين بالكثير لكل الهيئات والمؤسسات والأجهزة الطبية على دورها وجهدها الراهن فى مواجهة فيروس كورونا، الأمر ليس قاصرا على مصر فقط، والحمد لله أن عدد الحالات المصابة المعلنة، ما يزال قليلا عندنا، مقارنة بدول أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا وألمانيا والصين وأمريكا وإيران.
الزعر والرعب والهلع الذى تسبب فيه انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم أجمع، دفع ثمنه الجميع، لكن الثمن الأكبر دفعه القطاع الصحى والطبى، وكل مهنة مرتبطة بهذا القطاع.
قرأنا موضوعات، وشاهدنا فيديوهات كثيرة للعاملين فى القطاع الصحى الصينى، وهم يواصلون العمل ليل نهار فى المستشفيات العامة الميدانية لمواجهة كورونا. بعض هذه الموضوعات كانت شديدة الإنسانية. ومنها مثلا عن الطبيب الشاب الذى أصرّ على إخراج سيدة مسنة لكى ترى مشهد الشارع وهى تنازع الموت فى أيامها الأخيرة.
قرأنا أيضا عن الطبيب الصينى، الذى كان أول من نبّه السلطات إلى وجود الفيروس القاتل وللأسف، لم يصدقه الكثيرون إلا بعد أن بدأ الفيروس يفتك بالجميع. هذا الطبيب توفى قبل أسابيع.
ما حدث فى الصين فى بدايات انتشار الفيروس، تكرر بصورة مختلفة ومتفاوتة فى غالبية البلدان التى ضربها الفيروس لاحقا.
والملحمة الكبرى تجرى فى إيطاليا هذه الأيام. وليلة الإثنين الماضى خاطب رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى شعبه قائلا: «بينما أنتم تنامون فى بيوتكم وتشكون من الملل خلال العزل هناك الجهاز الطبى يقوم بجهد كبير ويعرض نفسه للأخطار».
على صفحات بعض الزملاء والأصدقاء بالفيسبوك، وجدت صورا لأطقم طبية كثيرة فى العديد من المدن المصرية، من القاهرة إلى المنصورة إلى المنيا، إلى إسنا ودمياط والاقصر، تقوم بتعقيم العديد من المنشآت والمؤسسات والمدارس والجامعات.
هناك أطباء وممرضون صاروا يعملون ليل نهار فى المستشفيات، ولا يحصلون إلا على وقت راحة قليل، ولا يعودون إلى منازلهم.
هؤلاء هم خط الدفاع الأول كما قال عنهم بحق رئيس الوزراء مصطفى مدبولى لأنهم يفعلون ما يفعله جنود الجيش أثناء الحروب، بل إن معظمهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى بحكم احتكاكهم الدائم بالمرضى أو بالبيئة غير الآمنة. هؤلاء هم الجنود المجهولون الذين يبذلون الجهد المستمر، حتى نتمكن نحن المواطنين من العيش بأمان فى بيوتنا.
وبينما المواطنون يجلسون فى منازلهم، حتى لا ينتشر المرض بصورة وبائية، فإن رجال القطاع الصحى، وجدناهم يتجولون فى الشوارع الصينية والإيطالية والأمريكية والألمانية والإسبانية. ووجدنا أيضا أجهزة الأمن تقوم بالمساعدة فى العديد من البلدان كما حدث فى إيران مثلا.
هناك أطباء وممرضون وعاملون فى القطاع الطبى بالعالم كله، توقفت حياتهم الخاصة تماما، وصاروا متفرغين تماما أو تقريبا لكل ما يتعلق بمواجهة كورونا.
السؤال هو: كيف يمكن للمجتمعات أن ترد جميل العاملين فى هذا القطاع؟!
أولا: أن نشكرهم كثيرا ودائما، حتى يدركون أن هناك من يعرف دورهم ويقدرهم.
ثانيا: وهذا هو المهم أن يتم لاحقا إعادة النظر فى الظروف التى يعمل فيها هؤلاء، خصوصا فيما يتعلق بالأجور أو بعض البدلات، وبالأخص بدل العدوى، ليس فقط بسبب كورونا، ولكن بسبب العديد من الفيروسات والميكروبات فى المستشفيات، وهو الأمر الذى يشكو منه الأطباء والممرضون والعاملون بهذا القطاع منذ سنوات طويلة. وكان طيبا جدا ما قررته الحكومة مؤخرا من صرف حوافز لهم.
ثالثا: لا بد من إعادة النظر فى المنظومة الطبية بأكملها، حتى نتخلص من السلبيات داخلها، وأن نوفر أكبر قدر من الأمن والأمان النفسى والمادى للعاملين فى المنظومة، فلا يصح أن نسمح باستمرار اعتداءات بعض أهالى المرضى على المستشفيات لمجرد أن مريضا قد مات.
رابعا: علينا جميعا أن ندرك أن الباحثين وكبار العلماء فى المجال الصحى عالميا يلعبون دورا كبيرا فى البحث العلمى حتى يتمكنوا من اختراع أدوية وعقاقير فعالة لمواجهة هذا الفيروس وغيره من الفيروسات الأخرى، وبالتالى وجب علينا أن نعرف دورهم وأن نشكرهم مثلما نفعل ذلك مع فئات أخرى كثيرة فى المجتمع، رغم أن دورهم يقل كثيرا عن دور هؤلاء الباحثين.