مساء يوم الجمعة الماضى ٢٩ يونيو وفى الطريق من منزلى لـ«الشروق»، مررت بميدان التحرير ظهرا ثم ليلا. المرور كان منسابا والحركة هادئة. لكن كانت هناك بداية لظهور العديد من رجال الأمن مع مركباتهم، مع تكثيف التواجد حول المنشآت الحيوية خصوصا فى مربع الوزارات ومجلسى الشعب والوزراء.
وفى الثامنة من صباح السبت مررت فى نفس الميدان، الهدوء كان مستمرا، والأمن أكثر انتشارا، وهو نفس الأمر الذى لاحظته طوال الطريق حتى مدينة الإنتاج الإعلامى فى أكتوبر.
فى مساء اليوم نفسه السبت سرت على قدمى من العجوزة حتى مبنى التليفزيون فى ماسبيرو، ومنها إلى قرب ميدان السيدة زينب. وكانت الملاحظة زحاما شديدا خصوصا على كوبرى قصر النيل، ثم فى ميدان التحرير. المواطنون خرجوا من منازلهم هربا من موجة الحر الشديدة، وبحثوا عن نسمة هواء فى جو مفتوح، حتى لو كانت جزيرة صغيرة تتوسط نهر الشارع.
لماذا أحكى عن كل هذه التفاصيل التى يراها البعض روتينية ولا تهم أحدا؟!.
الإجابة ببساطة، لأن البعض تصور أو ربما راهن على حدوث هناك مظاهرات وحشود جماهيرية ستنزل الشوارع للمطالبة برحيل الحكومة والنظام فى ذكرى مرور خمس سنوات على ثورة ٣٠ يونيو 2013.
وبالطبع فإن النتيجة النهائية التى رأيناها فى ذلك اليوم أنه لم ينزل أحد للتظاهر، لأسباب متعددة، سواء لعدم اقتناعه، أو لخوفه من المجهول أو حفاظا على لقمة عيشه.
فى الايام الاخيرة قابلت مواطنين كثيرين من كل الفئات والطبقات فى القاهرة ووجه بحرى والصعيد. الغالبية تشكو من الآثار الصعبة جدا لعملية الإصلاح الاقتصادى خصوصا بعد الارتفاع الأخير فى أسعار الوقود، التى أدت إلى ارتفاع غالبية أسعار السلع والخدمات المختلفة. لكن الشكوى والألم والغضب من هذا الارتفاع شىء، وتحول كل ذلك إلى سلوك وتحرك على الأرض شىء مختلف تماما.
سيدة مصرية تشبه ملايين السيدات قابلتها فى أسيوط، وجدت نفسها غير قادرة على مواجهة نفقات بيتها وأولادها. وصبت لعناتها على الحكومة. سألتها: هل تفكرين فى التظاهر فعلا ضد الحكومة وسياساتها الاقتصادية، كما كان يتردد وقتها على وسائل التواصل الاجتماعى؟.. ردت بصورة قاطعة بالطبع لا، رغم غضبى الشديد من سياسات الحكومة.
رجل آخر قابلته فى أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة منذ أسبوع. هو أيضا يشكو من الحال الصعب الذى يعيشه، وجعله مشلولا حتى عن التفكير!. قال لى إنه وبعد درس السنوات الماضية فهو لن يخاطر بالنزول إلى الشارع من أجل شىء غير مضمون. تقديره أن ثمن التظاهر الآن سيكون مكلفا جدا، ورهانه أن الحكومة ينبغى أن تدرك خطورة استمرار هذه الحالة على غالبية المواطنين. وأن الغضب المكتوم داخلهم ليس أمرا سهلا، حتى لو لم يتحول إلى أفعال على الأرض الآن.
فى هذا الصدد هناك أمران يراهما البعض متناقضين:
الأول اعتقاد البعض أن الأزمات الاقتصادية المختلفة وما يصاحبها من صعوبات معيشية تعنى بصورة آلية وجود ظواهر احتجاجية حركية فورا فى الشارع.
والتناقض الثانى هو اعتقاد الحكومة أن غياب التظاهر هو صك على بياض من المواطنين برضاهم عن سياساتها الاقتصادية، والملاحظة الاساسية فى تقديرى هى أن كلا الرأيين خاطئ.
الناس لا يتظاهرون فى أى مكان فورا، لمجرد أن أسعار سلعة أو أكثر قد ارتفعت، لكن ليس معنى ذلك أنهم لن يحتجوا أبدا إذا استمرت الحياة المعيشية متدهورة.
الاحتجاجات مسألة معقدة، وتخضع لظروف موضوعية متنوعة ومتداخلة. مرت ظروف كثيرة صعبة على المصريين فى حقب مختلفة، ولم يتظاهروا أو يحتجوا فيها، لكنهم فعلوا ذلك بصورة فاجأت الجميع كما حدث فى ٢٥ يناير ٢٠١١، رغم أن الأوضاع الاقتصادية لم تكن صعبة جدا قياسا حتى بالظروف الحالية.
ختاما، نتمنى أن تنجح الحكومة فى التغلب على الأزمة الاقتصادية، وتحقق أكبر قدر ممكن من التوافق الوطنى، حتى تنزع كل الذرائع التى قد تقود إلى ما لا يحمد عقباه للمجتمع بأسره.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع