بقلم: عبد الله السناوي
عند لحظة تحول حرجة فى النظام العالمى تكتسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التى توشك أن تحسم نتائجها فى صناديق الاقتراع بعد أيام، أهمية استثنائية فى تاريخ الإمبراطورية، التى أخذت مداها بعد الحرب العالمية الثانية، حتى بدأت ضربات جائحة «كورونا» تعرى ما هو كامن من أوجه ضعف وخلل فى بنيتها الداخلية، وتبرز ما هو محتمل من تراجع فى أوزانها الدولية.
بقدر الأسئلة الوجودية، التى تطرح نفسها بإلحاح على المستقبل المنظور، فإن السباق الحالى إلى البيت الأبيض يتجاوز أية تصورات عن الانتخابات والفوارق بين الرجال والسياسات والأولويات إلى قدرة المؤسسات الأمريكية على ضمان سلامة الانتخابات والتسليم بنتائجها.
نحن أمام واقعة حاسمة لا محض انتخابات اعتيادية.
هناك أصوات أكاديمية وصحفية عديدة فى الولايات المتحدة تحذر من الانفلات إلى الفوضى واحتمالات الانجراف إلى حرب أهلية ثانية.
الانقسام الفادح هو العنوان الأخطر للانتخابات الرئاسية وقد توالت مشاهده الأخيرة منذرة بما بعدها.
على بعد أيام من الحسم الانتخابى فى (3) نوفمبر المقبل طلب الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» من مجلس الشيوخ، الذى يسيطر عليه الجمهوريون بأغلبية بسيطة، تعيين القاضية المحافظة «إيمى باريت» فى المحكمة العليا.
كان ذلك داعيا لانسحاب الأعضاء الديمقراطيين من اللجنة القضائية عند نظر ذلك التعيين قبل عرضه على مجلس الشيوخ مجتمعا.
هناك احتمال ماثل بتأخر إعلان نتائج الانتخابات، واللجوء إلى المحكمة العليا، التى يحيط تشكيلها تساؤلات وشكوك حول نزاهتها هى نفسها فى حسم أية منازعات فى شأن من يتولى رئاسة الدولة.
منذ فترة طويلة نسبيا دأب «ترامب» على التشكيك فى نزاهة الانتخابات والتصويت بالبريد متوقعا أن يحدث تزويرا يخرجه من البيت الأبيض ملوحا مرة بعد أخرى بأنه لن يقبل النتائج بتسليم السلطة.
هذه أزمة شرعية مؤكدة.
قد لا يحدث مثل هذا السيناريو بتداعياته الخطرة، إذا ما تمكن منافسه الديمقراطى «جو بايدن» من حسم التصويت الشعبى باكتساح لا يسمح بأية منازعة، ونيل ثقة الولايات المتأرجحة.
لا يمكن لرجل بمواصفات «ترامب»، الذى يستند إلى قاعدة صلبة من الأمريكيين البيض تصل إلى (40%) وفق التقديرات المتداولة، أن يتقبل بسهولة خسارته الانتخابية.
هو مستعد أن يفعل أى شىء وكل شىء كى يبقى على مقعده الرئاسى فى البيت الأبيض.
آخر ما يمكن أن يتقبله أن يكون الرئيس الحادى عشر، الذى لم يتمكن من الحصول على ولاية ثانية، وكان آخرهم «جورج بوش ــ الأب»، الذى خسر عام (1992) أمام المرشح الديمقراطى «بيل كلينتون».
فى المناظرة الرئاسية الثانية والأخيرة بدا «ترامب» أكثر استعدادا وانضباطا من الأولى، التى أفرط خلالها فى مقاطعة منافسه حتى بدت فقرة مقتطعة من أعمال السيرك.
كان لافتا فى أداء «ترامب» قدر التركيز المدروس على مساحات الصراع والخلاف مع إدارة «باراك أوباما»، كأن الرئيس السابق هو الذى يناظره.
لهذا السبب أمر بالإفصاح عن الرسائل الإلكترونية لوزير الخارجية السابقة «هيلارى كلينتون» فى محاولة لاستدعاء هزيمتها فى انتخابات (2016) والتعريض فى نفس الوقت بكل سياسات ورموز إدارة «أوباما».
«ماذا فعلتم.. أنت وأوباما عندما كنتما فى السلطة؟».
هكذا خاطب «بايدن» لمرات عديدة أثناء المناظرة الثانية بقصد صد أى هجوم متوقع على سياساته، فإذا كان ممكنا النيل من تجربة حكمه فإن الأمر نفسه جائز على منافسه.
استغرقت الملفات