توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هيكل.. ظاهرته ودوره فى التاريخ

  مصر اليوم -

هيكل ظاهرته ودوره فى التاريخ

بقلم: عبد الله السناوي

ظاهرته فريدة ولا مثيل لها بقدر تعدد الأدوار التى لعبها وحجم تأثيره على مدى عقود متصلة.
هو الصحفى الأكثر تأثيرا فى العالم طوال سنوات القرن العشرين، كما وصفته صحيفة الـ«نيويورك تايمز» عند نهاية ذلك القرن.
وهو أهم مفكر استراتيجى عربى، كما وصفه الدكتور «جمال حمدان»، وصاحب رؤى لا يمكن تجاهلها فى الأمن القومى.
لم يكن ممكنا معرفة خفايا ما جرى فى الإقليم من حروب وصراعات لولا ما تضمنته كتبه من قصص موثقة، كما كتب ذات مرة الكاتب الصحفى الراحل «سلامة أحمد سلامة».
لم يعرف نفسه فى أى وقت بغير مهنته، فهو فى البدء والمنتهى صحفى، غير أن أدواره تمددت إلى شراكة فكر مع زعيم ثورة يوليو، صاغ وثائقها وأوراقها ومشروعها، ودافع عنها بعد أن انقضت أيامها.
طاردته عبر العقود المتتالية ادعاءات أرادت النيل من تجربة يوليو وطبيعة علاقته بزعيمها مثل إنه «مخرج ثورة يوليو» ــ كما كان يصفه «أنور السادات»، أو مخترع «جمال عبدالناصر» ــ كما كان يقول «أنيس منصور».
قبيل رحيله بأسابيع قالت كاتبة سيناريو على إحدى الفضائيات: «لماذا لا يموت؟!»، وأعادت تكرار فرية الاختراع!
قال مستغربا: «جمال عبدالناصر».. مرددا بيت شعر حديث: «هانت حتى بالت عليها الثعالب».
لم يستغرب طلب رحيله.
قال ذات مرة: «ربما تلكأت على المسرح».
بدت العبارة قاسية من رجل وهبه الله الهمة العالية إلى الثانية والتسعين من عمره.
ــ «لا تقل ذلك مرة أخرى يا أستاذ هيكل».
«لا توجد أمة تحترم نفسها تسأل مواهبها الاستثنائية عندما يتقدم بها العمر أن تصمت وهى تستطيع أن تتكلم».
«لم يطلب أحد فى الولايات المتحدة أن يتوقف وزير خارجيتها الأشهر هنرى كيسنجر عن الكلام وهو يستطيع أن يتكلم، أو عن التعليق على السياسات الدولية الجارية وهو يستطيع أن يضيف».
«هيكل» و«كيسنجر» من مواليد العام نفسه (1923)، الأول فى سبتمبر والثانى فى مارس.
لا يجرؤ أحد فى الولايات المتحدة أن يقول: «لماذا لا يصمت هذا الرجل؟».. و«لماذا لا يموت؟».
و«لم يطلب أحد فى بريطانيا لفيلسوفها الأكبر برتراند رسل، وهو فى تسعينيات عمره، أن يصمت، فى هذه السن تبدت قوة الضمير العام فى مناظراته، التى انتصف فيها للضحايا الفيتناميين ضد همجية آلة الحرب الأمريكية وألهم أجيالًا جديدة نبل الموقف».
«الادعاء بأن للفكر عمرًا هو الجهل بعينه واستعجال الرحيل هو خروج عن كل قيمة إنسانية.. فالله وحده هو الذى يعطى الهمة والعمر».
«لم يخلف أحد طه حسين ولا كان لدينا نجيب محفوظ آخر».
قال مضيفًا: «ولا نجيب ريحانى آخر».
قيمة القامات الكبرى فى السياسة والصحافة والفكر والأدب والفن فيما تتركه من مدارس فكر وتأثير.
أحد مصادر قوته أن الماضى لم يكن يقيد نظرته إلى المستقبل.
«لا يمكن أن تنظر إلى المستقبل وتفكيرك مقيد بالماضى».
«للماضى أهميته بقدر ما يشير إلى معنى لا يصح إهداره وخطأ لا يجوز تكراره».
وديعته فى كتبه وإرثه فى مدرسته ومكانته فى التاريخ محفوظة بقدر أدواره التى يستحيل تجاهلها.
لم يكتب سيرة ذاتية، ولا كان واردًا فى تفكيره أن يكتبها، فكل ما أراد أن يتركه أشار إليه فى كتاباته وكتبه، أو أودعه على شرائط مسجلة فى برنامجه «سيرة حياة»، ونصوصها فُرغت على ورق وضبطت صياغتها لتكون صالحة للنشر، وقد راجعها بنفسه.
على عكس ما اعتقد كثيرون أنه سوف يخلف وراءه سيرة مكتوبة بأسلوبه لـ«جمال عبدالناصر» ـ فإنه كان على يقين طوال الوقت أن هناك قضية واحدة تستحق أن تترك وديعة عند أصحاب الحق فى المستقبل، أن يعرفوا ماذا جرى فى مصر وحولها، وأين كانت معاركها ولماذا يراد أن تتكرس فيها ثقافة الهزيمة؟
قبل رحيله بثلاث سنوات عرضت عليه دار «هاربر كولينز» البريطانية، التى تتولى نشر الطبعات الدولية من كتبه، أن يكتب كتابًا جديدًا عن «الربيع العربى» مقابل مليون جنيه إسترلينى.
شرع فى زيارات خارجية ابتدأها بلبنان للحصول على وثائق يؤكد بها روايته للحوادث العاصفة التى جرت، وكان لديه ما يقوله جديدًا وموثقًا.
سألنى: «ما رأيك؟».
قلت: «إن الكتاب سوف يستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا مضنيًا وزيارات إلى عواصم بحثًا عن وثائق ولقاءات مع مصادر تستقصى خلفيات ضرورية لفهم ما جرى، وذلك كله سوف يعطل حضورك العام فى لحظة تحول مصيرية».
قال: «هذا أيضًا رأى هدايت» ـ قاصدًا السيدة قرينته التى خشيت عليه من أى جهد زائد.
الكتلة الرئيسية من أوراقه أحرقت أثناء العدوان على بيته فى برقاش بذات يوم فض اعتصامى «النهضة» و«رابعة العدوية».
ما تبقى أودع فى مكتبة الإسكندرية.
فى الأوراق الخاصة ما يكشف عن طرائق التفكير، وفيها أسرار أخفاها كاتبها وأحكام لم يفصح عنها، وكان قد قرر أن يترك أوراقه الخاصة على النحو الذى كتبت به أول مرة لمن يأتى بعده من باحثين ومؤرخين وصحفيين يدققون فى الأصول الخام ويطابقونها بما نشر فعلًا فى مقالات وكتب.
تلك مسألة ليست باليسر التى تبدو عليها، فالأوراق الخاصة سر صاحبها، وقد تستخدم ضده: لماذا أغفل نشر معلومات وردت فيها.. وكيف تباينت الصياغات الأولية مع ما هو منشور.. ومدى تأثير الانحيازات الشخصية على الصياغات والرؤى والرواية كلها؟
كان يدرك ذلك تمامًا، لكنه قرر أن يترك كل شيء للتاريخ يحكم بما يحكم به، قبل أن تحرق الكتلة الرئيسية من تلك الأوراق الخاصة.
فى وقت لاحق التفت إلى سجالات صاخبة حول «أوراق بوب وودورد، ألمع الصحفيين الأمريكيين المعاصرين، نالت على نحو فادح من صدقيته المهنية.
كان «بوب وودورد» قد باع بـ(٥) ملايين دولار أوراقه، التى صاغ على أساسها كتابه الأشهر «كل رجال الرئيس» عن سقوط الرئيس الأمريكى «ريتشادر نيكسون» بتداعيات فضيحة «ووتر جيت».
بدا لباحثين فى الأوراق ومنقبين فيها أن ثمة تناقضات ومعلومات جرى التلاعب بها انتهكت سلامة روايته وقوضت أسطورته الخاصة.
كل ما نشر فى الصحافة الغربية عن «أسطورة بوب وودورد التى تهاوت» أودعه داخل «دوسيه أحمر».
لم يكن الأستاذ «محمد حسنين هيكل» مرتاحًا لفكرة «بيع الأوراق الخاصة»، لكنه بدا مستعدًا أن يواجه الاختبار ذاته.. بلا إغراء مال أو إغواء بيع، واثقًا أن التنقيب فى أوراقه وأصول تفكيره ينصفه فى التاريخ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هيكل ظاهرته ودوره فى التاريخ هيكل ظاهرته ودوره فى التاريخ



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon