توقيت القاهرة المحلي 21:08:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تراجيديا الرجال فى أكتوبر

  مصر اليوم -

تراجيديا الرجال فى أكتوبر

بقلم: عبد الله السناوي

«سيادة الرئيس.. إننا فى هذا الذى رأيناه لهم.. رأينا مقتلهم».
سأله «جمال عبدالناصر»: «أين ذلك؟».
أجاب: «الغرور!».
هكذا عقب الفريق «عبدالمنعم رياض» على ما عرضه اللواء «حسن البدرى»، الذى أسندت
إليه مهمة تقصى أسباب الهزيمة العسكرية فى يونيو، من تسجيلات للجنرالات الإسرائيليين بأصواتهم وصورهم على شاشة فى بيت منشية البكرى.
فى تلك الجلسة التى حضرها قادة عسكريون آخرون قال «رياض» على ما روى الأستاذ «محمد حسنين هيكل»، الذى كان حاضرا ومتابعا:
«إن جولة جديدة من الحرب فى سيناء محتمة لاعتبارين.
الأول: استعادة الأراضى المحتلة فى سيناء بقوة السلاح، وذلك هو نص تكليفه برئاسة أركان حرب القوات المسلحة.. والثانى: استعادة الثقة فى النفس وضمان سلامة المجتمع بالنظر إلى مستقبله، وذلك موضوع نقاش مستفيض أجراه مع عبدالناصر».
بكلمات قاطعة فى معانيها ومباشرة فى رسائلها: «أرجوك يا سيادة الرئيس ألا تقبل عودة سيناء بلا قتال حتى لو عرضوا عليك الانسحاب الكامل منها بلا قيد أو شرط».
«لا مستقبل لشعب يتعرض لاحتلال أراضيه ثم لا ينهض لحمل السلاح مستعدا لدفع فواتير الدم».
«أقول وقد تابعت التاريخ العسكرى بشكل أو آخر: هذا الذى سمعناه فيه درجة من الغرور أكبر بكثير مما تسمح به حقائق القوة.. سوف نستطيع أن نفاجئهم وأن نضربهم دون أن يتصوروا ودون أن يقدروا التقدير الكافى.. لقد لمحت الثغرة التى نستطيع منها أن نتقدم لكى ننال منهم.. وهى ثغرة الغرور، المهم بالنسبة لنا.. هو المفاجأة».
فى أعقاب الهزيمة الفادحة وضع «عبدالناصر» ثقته فى رجلين، الفريق أول «محمد فوزى» قائدا عاما برهان أن شخصيته الحازمة تعيد الانضباط المفقود إلى القوات المسلحة، وتساعد فى إعادة بنائها من تحت الصفر تقريبا على أسس حديثة.. والفريق «عبدالمنعم رياض» رئيسا لهيئة الأركان برهان على كفاءته فى التخطيط العسكرى والقيادة الميدانية للقوات المحاربة.
لم يتسن لـ«رياض» الذى وضع أول خطة عسكرية مصرية لتحرير سيناء أن يشهد ما كرس حياته من أجله، فقد استشهد يوم (9) مارس (1969) على جبهة القتال الأمامية، وكان استشهاده ملهما لمعنى القتال وقضيته.
ثم لم تسمح الانقلابات السياسية التى أعقبت رحيل «عبدالناصر» فى (28) سبتمبر (1970) لـ«فوزى» أن يكون حاضرا فى المشهد عند عبور الجسور بقوة السلاح فى (6) أكتوبر (1973)، كان قد أدخل السجن بتهمة التآمر فى (15) مايو (1971) على قلب نظام الحكم.
كانت تلك محاكمة سياسية، فلم يكن هناك تآمرا كما هو ثابت ومؤكد.
هكذا غاب ذكر الفريق أول «فوزى»، «أبو العسكرية المصرية الحديثة»، فى الأحاديث الرسمية على مدى عقود.
كانت حرب الاستنزاف لثلاث سنوات، التى قادها «فوزى» و«رياض» هى بروفة «حرب أكتوبر».
قدمت سنوات الاستنزاف الفريق «سعد الشاذلى» إلى منصب رئيس الأركان منقولا من قيادة منطقة البحر الأحمر وخليج السويس فى نفس الوقت الذى أوكلت فيه مهام وزارة الحربية إلى الفريق «محمد صادق»، الذى خلفه الفريق «أحمد إسماعيل على» (المشير فيما بعد)، على رغم نفور شخصى بين الاثنين بدأ من الكونغو، حيث كان الشاذلى يقود كتيبة وضعتها مصر تحت علم الأمم المتحدة فى فترة المد الكبرى لحركة التحرر الوطنى فى إفريقيا ـ وفى الوقت نفسه كان «أحمد إسماعيل على» مكلفا بمهمة للتفتيش على القوات المصرية هناك، ووقع احتكاك بين الرجلين أدى إلى جفوة ترسبت آثارها فى النفوس، وفى حين أن الفريق «أحمد إسماعيل» كان يمارس مسئولياته بنظرة عامة واسعة فإن «الشاذلى كان له مقدرة الدخول إلى أدق التفاصيل فى وضع الخطط.
كانت تلك رؤية عن قرب لتعقيدات العلاقة بين أهم عسكريين فى حرب أكتوبر كتبها الأستاذ «هيكل».
بذات القدر حاول أن يلفت الانتباه إلى أنه كان قد تكامل معهما رجل ثالث ـ المشير فيما بعد ـ «عبدالغنى الجمسى» مدير هيئة العمليات، وكانت كفاءته قادرة على إعطاء الخطط حياة خارج الورق، وفى إطار علاقات سمحة مع بقية أفرع القوات المسلحة.
فيما سجل «الشاذلى» و«عبدالغنى الجمسى» وقادة آخرون مثل اللواء «عبدالمنعم واصل» شهاداتهم على التاريخ، فإنه لم يتسن للمشير «أحمد إسماعيل على» أن يكتب روايته للأحداث.
عندما رحل طلبت حرمه من الأستاذ «هيكل» أن ينظر فيما ترك من أوراق، كان تقديره أنها لا توفر أية مقومات لشهادة متماسكة، وغادر المنزل دون أن يأخذ معه شيئا.
رغم ذلك الخلاف المعلن بين القائدين الكبيرين، لم يكن أحد فى مركز القرار يود ذكرهما، أو أن ينسب لهما فضلا.
«إسماعيل» غاب اسمه تماما بعد رحيله عام (1975)، و«الشاذلى» جرى تشويهه بادعاء لم يثبت أبدا أنه انهار عندما حدثت الثغرة فى الأيام الأخيرة للحرب.
نفى «الجمسى»، الذى لم يؤيد وجهة نظر «الشاذلى» فى الثغرة وطريقة مواجهتها، أن يكون قد انهار كما ادعى «السادات».
فى النهاية حصد «الشاذلى» على ما يستحق من رد اعتبار، فيما لم يحصد «إسماعيل» على أى تقدير يستحقه حتى يفسح المجال كاملا لرجل واحد فى المشهد، «بطل الحرب والسلام – أنور السادات» مرة و«صاحب الضربة الجوية – حسنى مبارك» مرة أخرى.
«لماذا لم تذع حتى الآن وثائق سنة ١٩٦٧؟.. ولا أعلنت وثائق حرب أكتوبر؟»
فى خريف (٢٠٠٩) وجد «هيكل» نفسه أمام سؤاله بطريقة لم تخطر له على بال.
فقد ألقى اللورد «ديفيد أوين» وزير الخارجية البريطانى الأسبق مداخلة مطولة أمام دارسين فى القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكية مدعوا من «مؤسسة هيكل للصحافة العربية» قال فيها: «إن مصر هزمت فى حرب ١٩٧٣».
كانت تلك صدمة هائلة للصحفيين الشبان، وكادت تفلت مشاعر الغضب عن كل قيد.
لم تكن حرب أكتوبر موضوع محاضرة اللورد «أوين»، ولا كان مقررا استدعاء شهادته عمن هزم وانتصر فيها.
كان موضوع محاضرته: «الاعتلال فى السلطة.. الصحة البدنية والنفسية للزعماء وتأثيراتها على الحكم وصنع القرار».
ما قاله عن حرب أكتوبر خيم على المناخ العام كله فى مصر.
فى مساء اليوم نفسه ـ الأربعاء (١٤) أكتوبر (٢٠٠٩)، والضجة تتفاعل والصخب يتسع، سألت الأستاذ «هيكل«: «عليك أن تتوقع حملة ضارية باعتبارك الرجل الذى دعاه لإلقاء محاضرة فى القاهرة.. ماذا تنتوى أن تقول، أو تفعل؟».
قال: «ولا أى شىء».
«كل ما لدى كتبته بالوثائق والتفاصيل، ولا أحد بوسعه أن يشكك فى موقفى، فضلا عن أنه لا يصح أن أقول لرجل تولى وزارة الخارجية البريطانية بين عامى ١٩٧٧ و١٩٧٩، عاصر المفاوضات المصرية ــ الإسرائيلية وأطل من موقعه على موازين القوى، ماذا يقول أو لا يقول، وأنت تعرف أن النخب الغربية فى أغلبها تذهب مع أوين فيما ذهب إليه».
«ثم لا تنس أن العالم ينظر إلى النتائج السياسية لأى حرب والباقى كله معروف».
بمضى السنين تبدت فى أجواء الكرنفالات المصطنعة خشية إضافية من أن تبهت الذاكرة العامة وتضيع المعانى الكبرى.
كان البطل الحقيقى للحرب هو المواطن المصرى العادى، قاتل بضراوة عن اقتناع وإيمان بأنه يحارب معركة المصير، وأن النصر فيها يفتح صفحة جديدة تعطى أملا فى المستقبل، رابض فى خنادق القتال الأمامية ست سنوات كاملة، وأجل حياته الإنسانية وتلخصت أحلامه فى القتال والثأر، خاض خلالها حرب استنزاف طويلة، وعندما عاد من ساحات القتال وجد مصر أخرى غير تلك التى حارب من أجلها قبل أن يجد نفسه أمام نوع من السلام تتابع الآن مشاهده فى هرولة نظم عربية عديدة للتطبيع مع إسرائيل على حساب أى معنى حارب من أجله ذات يوم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تراجيديا الرجال فى أكتوبر تراجيديا الرجال فى أكتوبر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 12:46 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح
  مصر اليوم - الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon