توقيت القاهرة المحلي 07:04:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سؤال خالد محيى الدين

  مصر اليوم -

سؤال خالد محيى الدين

بقلم - عبد الله السناوي

هو شخصية فريدة بتكوينها السياسى والإنسانى ومدى اتساقها مع ما تعتقد فيه من رؤى وخيارات.
بالتكوين الأساسى فإنه «يسارى» و«صوفى» بنفس اللحظة، حارب فى فلسطين وشارك بتأسيس «الضباط الأحرار»، اختلف مع «جمال عبدالناصر» فيما يعرف بـ«أزمة مارس» (١٩٥٤)، لكنه دافع عن تجربته بعد رحيله، عارض «الانفتاح الاقتصادى» (١٩٧٤) ودعّم انتفاضة «الخبز» (١٩٧٧) وناهض اتفاقيتى «كامب ديفيد» (١٩٧٨) وقاوم التطبيع مع إسرائيل من موقعه فى رئاسة حزب «التجمع»، ووصف نفسه فى ذروة الصدام مع نظام «أنور السادات» فى مؤتمر مفتوح: «أنا ناصرى».
لا يمكن تلخيص «خالد محيى الدين»، آخر من رحل من قيادات ثورة «يوليو»، فى مشهد واحد وسؤال واحد.
مع ذلك فإن سؤال «أزمة مارس» طرح نفسه مجددا عند رحيله، كأنه قصته كلها.
قيل إنها فرصة للديمقراطية أجهضت، أو ربيع مصرى بددته رياح خماسين.
لم يكن ذلك التوصيف صحيحًا ولا دقيقًا بالنظر إلى سياق وظروف وطبيعة الأزمة.
أرجو تذكر أن اللواء «نجيب» وافق أغلبية مجلس قيادة الثورة على إعدام «خميس» و«البقرى» بغير حق، فيما عارضه «عبدالناصر» و«خالد» و«يوسف صديق»، ووضع توقيعه على قرارات اعتقال بعضها بغير ضرورة وأصدر باسمه قانون إلغاء الأحزاب بغير تردد، ووضع «مصطفى النحاس» زعيم الوفد قيد الإقامة الجبرية، وترأس «هيئة التحرير» التنظيم الواحد بغير ممانعة.
لم تنشأ ذرائع الديمقراطية فى إدارة صراع السلطة إلا بعد أن جرى تهميشه والشروع فى عزله.
بدأت الأزمة باستقالة اللواء «نجيب» بتحريض من «سليمان حافظ» حتى «توضع الأمور فى نصابها».
تسرع مجلس القيادة فى قبولها، وكان ذلك تقديرًا عصبيًا أربك الوضع العام حتى اضطرته تداعياته إلى إعلان عودة «نجيب» إلى منصبه.
كانت أزمة مارس صدامًا محتمًا بين رجلين وتوجهين، فـ«نجيب» واجهة الثورة، التى ضمنت نجاحها بالنظر إلى رتبته الكبيرة والشعبية التى حازها، وهو عسكرى قبل أن يكون سياسيًا ونظرته العامة محافظة، و«عبدالناصر» قائد «الضباط الأحرار»، وهو سياسى قبل أن يكون عسكريًا ونزعته ثورية رغم أنها لم تكن قد استكملت ملامحها.
لا يمكن أن تحسب بعض القوى التى أيدت «نجيب» على أى توجه ديمقراطى مثل جماعة «الإخوان المسلمين»، التى استثنتها الثورة ــ لأسباب تكتيكية ــ من قرار حل الأحزاب دون أن تعترض على ذلك الحل، بل أيدته فى بيان معلن.
بأثر تمرد ضباط سلاح الفرسان، و«خالد محيى الدين» على رأسه، أعلن مجلس قيادة الثورة قرارات (٥) مارس (١٩٥٤)، التى تقضى بالعودة إلى الحياة النيابية وانتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورًا جديدًا وإلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحف.
لم تشر تلك القرارات إلى عودة الأحزاب، بل استبعدتها من انتخابات الجمعية التأسيسية، كما تجنب التمرد العسكرى فى سلاح الفرسان أى إشارة إلى الأحزاب وعودتها خشية خسارة الجمهور العام، الذى فقد ثقته فيها.
ثم صدرت قرارات أخرى فى (٢٥) مارس تقضى بإعادة الحياة النيابية، وإقامة جمهورية برلمانية، وعودة اللواء «نجيب» إلى رئاسة الجمهورية، وتشكيل حكومة انتقالية لمدة ستة أشهر برئاسة «خالد محيى الدين» تجرى انتخابات الجمعية التأسيسية.
وقد أضاف «عبدالناصر» إلى تلك القرارات فقرة واحدة تعلن «حل» مجلس قيادة الثورة وعودة «الضباط الأحرار» إلى وحداتهم العسكرية.
كانت تلك الفقرة ــ مقصودة أو غير مقصودة ــ نقطة انقلاب حاسمة فى مسار أزمة مارس، فقد استفزت أسلحة الجيش بأغلب قطاعاته وحسم الأمر نهائيًا.
فى شهادة لـ«خالد محيى الدين» عن الأخطاء التى ارتكبت وأفضت إلى هزيمة المعسكر الذى يقف فيه: «الإيحاء بعودة الأحزاب القديمة على حساب الثورة دون أن يكون هناك إيضاح بأن المطلوب ديمقراطية جديدة مغايرة تمامًا لما كان قبل يوليو» و«الهجوم على الجيش ــ كجيش ــ بما أثار حفيظة الضباط ودعاهم للتكتل خلف جمال عبدالناصر».
بنظرة إلى ما كان يجرى داخل الجيش من اعتصامات واحتجاجات على استئثار مجلس القيادة بكل السلطات، فإنه موضوع سلطة لا قضية ديمقراطية.
حسب ما هو ثابت تراجع الضبط والربط العسكريان، ارتفعت أصوات قبل تفاقم الأزمة داخل سلاح المدفعية تدعو إلى انتخاب القيادة بالتصويت داخل الجيش، جرت اعتقالات استفزت رفاق سلاح، وبدا المشهد كله موحيًا بانقلابات عسكرية محتملة شرع بعضها فى الحركة.
كان السيناريو الأخطر انجراف الجيش إلى اقتتالات داخلية.
بحكم طبيعة تكوين «الضباط الأحرار» لم تندرج عضويته فى رؤية سياسية وفكرية واحدة باستثناء مبادئ عامة تصلح للتجنيد والضم، لكنها لا تفى بمواجهة احتياجات إدارة الدولة على نحو يتسق مع طلب التغيير ولا طبيعته ومداه.
هكذا تشققت صفوف بدت موحدة ونشأت صراعات كانت مؤجلة.
لم تكن قيادة التنظيم مرشحة لإدارة كفؤة وسادتها حالة ارتباك فادحة باستثناء «جمال عبدالناصر»، الذى أدار بثبات أعصاب الأزمة، قبل أن يدخل على خطها الصف الثانى من «الضباط الأحرار» بوازع الولاء لمؤسس التنظيم دون أن يطلب منهم، أو يوحى إليهم بأى تصرف.
حوصر سلاح الفرسان وحلقت طائرات حربية فوقه ومنع إذاعة بيان باسم مجلس قيادة الثورة يعلن حله، وجرى توقيف اللواء «نجيب» وحسم الصراع بقوة السلاح، لكنه لا يجب أن يغيب عن الذاكرة أنه سلاح مقابل سلاح.
وفق الوثائق المتاحة الآن كان رئيس الوزراء البريطانى «ونستون تشرشل» يتابع باهتمام ما يجرى فى مصر، ويسأل عن إحياء الخطة «روديو»، التى وضعت قواتها تحت التأهب والاستعداد للتدخل باحتلال الدلتا وصولًا إلى القاهرة.
أى قراءة لأزمة مارس خارج ظروفها وسياقها تهاويم فى الفضاء.
الأكثر إثارة فى القصة كلها أن «كمال الدين رفعت» الرجل الثانى فى تأسيس حزب «التجمع» بجوار «خالد محيى الدين» كان على رأس الصف الثانى من «الضباط الأحرار»، الذين حسموا صراع السلطة لصالح «جمال عبدالناصر».
لم يمنع اختلاف موقع الرجلين الكبيرين فى «أزمة مارس» أن يجتمعا مرة أخرى للدفاع عن ثورة «يوليو» وخياراتها الرئيسية.

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سؤال خالد محيى الدين سؤال خالد محيى الدين



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon