توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حديث المبادرة السعودية

  مصر اليوم -

حديث المبادرة السعودية

بقلم: عبد الله السناوي

لم تكن هناك مفاجأة فيما أطلق عليها «المبادرة السعودية للسلام فى اليمن».
بفداحة المأساة الإنسانية تصاعدت الضغوطات الدولية دبلوماسيا وإعلاميا لإنهاء الحرب، التى أهلكت البلد لست سنوات كاملة، أسقطت مئات آلاف الضحايا من مواطنيه وأفشت الأوبئة والمجاعات فى جنباته.
استجابت المبادرة للضغوطات الدولية، لكنها لا تؤسس بذاتها لرؤية جديدة تسمح بالانتقال إلى أوضاع طبيعية، أو شبه طبيعية، تعيد السلام إلى بلد ممزق ومنكوب.
مدخل إلى الحل، لكنها ليست حلا.
كانت الحرب قرارا سعوديا منفردا رغم أنها جرت باسم «التحالف العربى»، لم تخطر الدول التى ذكر اسمها فى ذلك التحالف إلا قبل ساعات قليلة من بدء العمليات العسكرية.
كان ذلك استعراضا مفرطا للقوة والنفوذ والقدرة على حشد الدول العربية تحت قيادتها لم يتحسب لما يمكن أن يترتب على المغامرة العسكرية فوق الأراضى اليمنية من تبعات وعواقب وخسائر فادحة.
استبقت العمليات العسكرية قمة عربية فى شرم الشيخ صباح انعقادها، كأنها أرادت أن تقول إن قيادة العالم العربى آلت إليها وحدها، بإضافة استخدام السلاح خارج حدودها لأول مرة فى تاريخها إلى قوتها الاقتصادية.
لم توافق النتائج الرهانات، وقوضت الحرب سمعتها بفداحة.
بصورة أو أخرى بدا الطرف الآخر فى المواجهة العسكرية بوضع «المنتصر»، الذى يرفض مبادرة وقف إطلاق النار ويضع شروطا قبل الذهاب إلى موائد الحل السياسى.
كان تغير الإدارة الأمريكية من «دونالد ترامب» إلى «جو بايدن» دافعا أساسيا لإعلان المبادرة السعودية، خشية تصاعد الضغوط عليها فى ملفات أخرى تتعلق بمستقبل ولاية العهد على خلفية قضية مقتل الصحفى السعودى «جمال خاشقجى».
صعدت إدارة «بايدن» إعلاميا خطابها السياسى، غير أنها توقفت فى منتصف الطريق بدواعى المصالح الأمريكية التى لا يمكن التضحية بها فى العلاقات الاستراتيجية التقليدية مع السعودية.
هكذا جرى التركيز على ملف اليمن وضرورة وقف الحرب وإنهاء المأساة الإنسانية بالإيعاز للرياض على التقدم بمبادرة توقف شلالات الدم.
مقاربة «بايدن» تختلف عما اعتاده «ترامب»، الذى أغفل المأساة اليمنية وأضفى حماية على العمليات العسكرية، التى جرت بتوسع.
لم يكن هناك شك فى واشنطن، أو الرياض نفسها، أن «الحوثيين» سوف يرفضون المبادرة، على الأقل حتى يستكشفوا أبعاد اللعبة الجديدة وحسابات الأطراف المتداخلة للصورة التى يمكن أن يكون عليها المستقبل.
النقاط الإجرائية المقترحة فى المبادرة السعودية يمكن بصورة أو أخرى التوافق عليها، خاصة «وقف القتال على كل الجبهات تحت رقابة الأمم المتحدة».
هذا طلب دولى وإنسانى لا يمكن لأى طرف متداخل فى الأزمة اليمنية تحديه، أو رفضه، غير أن إنفاذه يتطلب رؤية سياسية أوسع مدى وتفاهمات فى الكواليس حول أسس وقواعد الحل السياسى.
النقاط الإجرائية الأخرى كإعادة فتح مطار صنعاء جزئيا والسماح باستيراد الوقود والمواد الغذائية عبر ميناء الحديدة وإيداع عوائد الضرائب والجمارك فى حساب مشترك بالبنك المركزى يمكن التوافق عليها بتعديل أو آخر فى مفاوضات الكواليس، التى سوف تستضيفها العاصمة العمانية مسقط، على ما هو معلن.
دخول مسقط على خط حل الأزمة يذكر بأدوار وظيفية مماثلة لعبتها فى أزمات إقليمية سابقة كالتمهيد لاتفاق حول المشروع النووى الإيرانى.
القضية ليست فيما هو إجرائى بقدر ما فى الترتيبات السياسية التى سوف تجرى تاليا وفق السيناريو المقترح.
رفض «الحوثيون» للمبادرة السعودية ليس موقفا نهائيا، يعلن بعده موتها إكلينيكيا.
إنه موقف تفاوضى لتحسين المراكز قبل الدخول فى المسار السياسى والتوافق عليه.
بمعنى آخر، الرفض نوع من الاستثمار السياسى فى الورطة السعودية طلبا لرفع الحصار الجوى والبحرى، أو تعظيم المكاسب مقابل أية مرونة سياسية يتطلبها التعاطى مع بنود المبادرة.
هذه أصول اللعبة، التى يتبعها «الحوثيون».
إدارة التفاوض بالتصعيد.
كلما ارتفع مستوى الضغط الدولى على السعودية بوقف التسليح، أو التلويح بالعقوبات، زادت الضربات التى يوجهونها بالمسيرات على منشآتها النفطية وتصعيد العمليات البرية للسيطرة على مواقع استراتيجية يمنية جديدة، أهمها الآن مآرب.
معضلة السعودية المنهكة والمضغوطة أنها ليست بوارد أى تصعيد مضاد.
يكاد يكون ممنوعا عليها أية عمليات طيران بداعى ما جرى سابقا من بشاعات نالت من المدنيين العزل.
الأسوأ أن الصراعات، التى تمت بين أطراف التحالف، الذى تقوده، فى عدن بالذات، نالت بفداحة من الحكومة الشرعية، أضعفتها ومزقت صفوفها، ووضعت مصيرها فى مهب المساومات.
فى إدارة التفاوض بالتصعيد استخدم «الحوثيون» قاموسا سياسيا لافتا، فالسعودية طرف فى الأزمة حربا وحصارا لا وسيط يقترح تسوية وسلاما.
«المبادرة لا ترفع الحصار كاملا الذى يتوجب رفعه قبل البت فى أى اتفاق سلام».
هكذا يجرى إحكام حلقات الورطة السعودية فى اليمن.
بقوة الحقائق سوف يكون هناك حل سياسى فى نهاية المطاف.
«الحوثيون» طرف رئيسى كمكون يمنى فاعل وحاضر ومؤثر لا يمكن استبعاده بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.
بحكم الصلات الخاصة التى تجمع جماعة «أنصار الله»، «الحوثيون» بإيران، فإن لموقفها حسابا واعتبارا فى تفاهمات الكواليس، التى سوف تجرى فى مسقط.
حسب ما هو معلن فإنها «تدعم أية خطة سلام ترفع الحصار عن اليمنيين وتفضى إلى حل سياسى يؤدى إلى تشكيل حكومة وطنية».
كانت تلك صياغة دبلوماسية حاولت أن تدعم موقف «الحوثيين» دون أن تتبنى مصطلحاتهم.
لا أحد فى الإقليم يمانع فى ضرورة التوجه إلى حل سياسى للأزمة اليمنية، لكن بأية حسابات ووفق أية مصالح.
هنا هو السؤال الملح.
إذا أردنا حلحلة الأزمة اليمنية المستعصية فلا بد أن نبحث عن مفاتيحها بالحوار فى حسابات وتعقيدات الإقليم.
بأية نظرة على خرائط الأزمات فى الإقليم فإنها متداخلة، يصعب حلها كما لو كانت جزرا منفصلة.
فى خلفيات الأزمة اليمنية وكواليسها المحتملة حسابات أخرى.
الأمريكيون مشغولون بالاتفاق النووى الإيرانى كأولوية فى إدارة «بايدن» والسؤال الرئيسى فى الأعصاب المشدودة مع الإيرانيين: من يأخذ الخطوة الأولى أولا لحلحة الموقف المأزوم؟.. بأية شروط وتحت أى سقف فى حسابات الإقليم؟
الإيرانيون بدورهم يوظفون علاقاتهم الإقليمية لتحسين موقفهم التفاوضى فى أزمة الاتفاق النووى، وأعينهم على حسابات السعودية وتركيا وإسرائيل بقدر تداخلها فى أزمات الشرق الأوسط الأخرى المتفاقمة.
يصعب الخروج من المحنة اليمنية بحل سياسى إذا لم تكن هناك تفاهمات إقليمية بالحوار المباشر بين اللاعبين المتصادمين، السعودية وإيران، فإنكار الحقائق لا يساعد على حلحلة الأزمات المتفاقمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث المبادرة السعودية حديث المبادرة السعودية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon