توقيت القاهرة المحلي 14:58:48 آخر تحديث
الأحد 12 كانون الثاني / يناير 2025
  مصر اليوم -
أخبار عاجلة

توفيق الحكيم فى العصر الإلكترونى!

  مصر اليوم -

توفيق الحكيم فى العصر الإلكترونى

بقلم: عبد الله السناوي

لكل عصر إيقاعه ونحن الآن فى العصر الإلكترونى.
بقوة الحقائق فإننا أمام ثورة كبرى فى وسائل الاتصال لم يتضح كامل ملامحها، مزاياها ومزالقها، ولا مدى ما قد تدخله من تغييرات على نظريات الصحافة، ولا قدر ما تؤثر على حركة الإبداع الفنى والأدبى وسوق النشر.
كانت الحرب العالمية الثانية نقطة تحول جوهرية فى إيقاع الحياة، فكل شىء سريع من الخطوة إلى الوجبة إلى المعلومات والفكر وصياغة الخبر وعدد كلمات المقال.
نشأت نظريات ومدارس فى الصحافة والإعلام حاولت أن تستجيب لروح العصر ومذاقه وإيقاعه تأثرا بالنموذج الأمريكى.
مع مطلع ثمانينيات القرن الماضى بدأت تجربة الـ(CNN).
كان ذلك إعلانا عن «العصر الفضائى»، اتسع نطاق جمهوره وطبيعة محتواه، حتى أصبحت الثورات والحروب والجوائح والكوارث الطبيعية تنقل بالبث المباشر لجميع أرجاء المعمورة فى اللحظة ذاتها.
«لكل زمن حواره وحوار هذا الزمن لا يتكلف شيئا لفك رموز ما هو مكتوب على ورق».
«إن أى مهتم بالشأن العام سوف يتابع الخبر صورا متلاحقة على الشاشات المضيئة، وهو يطلب من الكلمة أن تروى له قصة ما جرى على مهل لأن ذلك دورها».
«كل أسطح الحوادث مكشوفة تحت الومضات السريعة».
«الكلمة فى جريدة تفصل ما وراء الخبر وتروى ما لا تستطيع الصور أن تصفه من دخائل ومشاعر».
«فى العصر الإلكترونى أريد أن أعرف ما الذى دار همسا فى أية لقاءات قمة لها أهمية بعد أن رأيت الصور الملونة على الهواء مباشرة».
هكذا تحدث الأستاذ «محمد حسنين هيكل» ذات حوار بيننا عن مستقبل مهنة الصحافة والإعلام فى العصر الإلكترونى.
لا يملك أحد، أيا كانت دوافعه ونواياه، أن يعاند الزمن وحقائقه المستجدة.
كيف نحفظ مستقبل الصحافة الورقية فى العصر الإلكترونى؟
الأحكام المطلقة خطيئة كاملة.
لكل شىء أصول وضرورات.
الحرية أصل أول، وإلا فإن الموت السريرى مؤكد أمام الحريات المتاحة بلا قيود تذكر لوسائل الاتصال الحديثة.
المهنية أصل ثان، حتى يكون هناك ما يدفع القارئ لشراء صحيفته واثقا من صحة ما ينشر فيها أمام فوضى وعشوائية وغياب القواعد فى الإعلام البديل.
احترام التعدد وحرمة الحوار العام أصل ثالث أمام ضراوة انتهاك الحرمات العامة واغتيال الشخصية على صفحات التواصل الاجتماعى.
الأهم من ذلك كله أن يكون لدى الصحيفة ما تقوله وما تغطيه بالعمق مختلفا عما يبث بالومضات السريعة على شاشات الهواتف المحمولة، مقترنا بالحفاظ على الأصول والقواعد المتعارف عليها دوليا، التى تضفى على المهنة احترامها وقدرتها على الوفاء بمهامها وأدوارها فى تبصير الرأى العام بحقائق ودخائل ما يحدث فى وطنه وعالمه دون تدليس عليه بأخبار مزيفة، أو غير مدققة.
قوة العصر الإلكترونى فى اتساع منصاته على التنوع والتعدد وسرعة نقل الخبر وإدخال المواطن العادى شريكا بالرقابة على أداء المؤسسات العامة، وهو ما يغيب فى العادة عن الصحافة الورقية.
أسوأ ما فى ذلك العصر ما يتبدى فيه من يقين مفرط فى تداول الأخبار والآراء، بلا استعداد للتدقيق والمراجعة.
عندما تغيب الروح القلقة، التى تدقق وتضبط الصياغات قبل أن تنشر يزهق أى إبداع وتغيب أية قدرة على الإقناع.
فى منتصف ستينيات القرن الماضى انتابت رائد المسرح العربى «توفيق الحكيم» أحوال قلق من مقال انتهى من كتابته للتو.
خطر له أن يسأل صديقه رئيس تحرير «الأهرام» «محمد حسنين هيكل» أن يقرأ ما كتب قبل أن يدفع به إلى المطبعة.
أجابه: «يا أستاذ توفيق أنا أقرأ ما تكتب كأى قارئ آخر، أرسله إلى المطبعة أيا ما كتبت ولا تراجع أحدا».. وفى يقينه قاعدة استقرت عنده: «عندما يكون لصاحب الرأى تجربة عريضة واسمه يزكيه فهو وحده من يتحمل مسئوليته أمام الرأى العام ولا شأن لأى رئيس تحرير بما يكتب».
ألح عليه أن يقرأ ما كتب وأن يسمع ملاحظاته.
لم يكد يطالع النص ويشرع فى القول: «هناك بعض ملاحظات» حتى استوقفه «الحكيم» طالبا إعادة المقال إليه ومزقه بلا تردد ملقيا أوراقه فى سلة مهملات.
لم يكن «الحكيم» مستريحا لما كتب واستبد به قلقه.. أراد أن يتأكد بنظرة أخرى يطمئن إليها أن أسبابه فى محلها.
القلق من طبائع الإبداع، فما هو رتيب ومألوف ومتوقع لا يلهم إبداعا يبقى، أو يفضى إلى رؤية تختلف.
فى القلق سعى إلى شىء من الكمال لا يُدرك لكنه يُطلب.
كان «هيكل» يتملكه قلق مماثل، يلازمه قبل الكتابة وبعدها، وطقوسها تستهلك يوما كاملا، لا يفكر فى شىء آخر ولا تكون فيه مواعيد تشت.
«إن استشعرت أن موضوعك يقلقك فلا تتردد أن تمزق ما كتبت».
و«إن أردت تغييرا جوهريا فابدأ من جديد حتى لا تربك النص والقارئ معه وتفقده اتساقه ومنطقه واحترامه».
استعاد تجربة «الحكيم» ذات يوم فى النصف الثانى من عام (٢٠١٢)، وهو يتساءل عن الأسباب التى دعتنى لتغيير بنية مقال يستلهم مسرحيته: «السلطان الحائر».
قلت: «الحيرة فيها نبل وما يحدث الآن لا يستحق أن يوصف أصحابه بأى نبل».
قال: «كان عليك أن تمزق ما كتبت مثلما فعل الحكيم وتبدأ من جديد لا أن تدخل تعديلات على فكرتك الأصلية».
بعد أولى إطلالاته التليفزيونية لم يقدر على النوم فى مواقيته قلقا على الصورة التى سوف يبدو عليها أمام المشاهدين، وما إذا كانت إضافة لحياته المهنية أم خصما منها.
«تقول لى إن تاريخى يشفع أمام مشاهدى لكن التاريخ وحده لا يقنع أحدا بأنه يسمع ما يستحق الاستماع إليه، وإن لم يكن الكلام مقنعا فسوف يكون من العبث أن تذكر الناس بالتاريخ».
«فى كل مرة تكتب على ورق، أو تطل على شاشة، لا بد أن يكون لديك شىء جديد تقوله لا يكرر ما اجتهد فيه غيرك».
هذه مسألة إبداع بالقلق والمراجعة، لا إطلاق العبارات دون تدقيق لازم، على ما خشى ذات يوم بعيد «توفيق الحكيم».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توفيق الحكيم فى العصر الإلكترونى توفيق الحكيم فى العصر الإلكترونى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

أيقونة الموضة سميرة سعيد تتحدى الزمن بأسلوب شبابي معاصر

الرباط ـ مصر اليوم

GMT 08:41 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
  مصر اليوم - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 08:54 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل
  مصر اليوم - أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل

GMT 09:54 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

زاهي حواس يُعلن عن كشف أثري جديد في الأقصر

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مصر تتسلم مليار يورو تمويلا جديدا من الاتحاد الأوروبي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 19:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

هيا الشعيبي تسخر من جامعة مصرية والشيخة عفراء آل مكتوم ترد

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

زوجة رامي صبري تبدي رأيها في أغنية فعلاً مبيتنسيش

GMT 22:45 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات لترتيب المنزل بسهولة

GMT 00:00 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

الأفكار العملية لتنسيق إطلالات مثالية ليوم عمل طويل

GMT 05:27 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

"عصير الطماطم" يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon