توقيت القاهرة المحلي 20:59:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هذا الاستثمار في الأزمات السودانية

  مصر اليوم -

هذا الاستثمار في الأزمات السودانية

بقلم: عبد الله السناوي

فى نشوة إعلان تطبيع العلاقات مع السودان لم تغب عن رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتانياهو» رموز ماض انقضى، أو توشك أن تغادر القاموس السياسى العربى.
لم تكن الخرطوم محض عاصمة عربية جديدة تنضم إلى ركاب التطبيع المتسارع، فهى «العاصمة التى تبنت عام 1967 مبادئ لا سلام مع إسرائيل، ولا اعتراف بإسرائيل، ولا تفاوض مع إسرائيل».
كان ذلك استدعاء للذاكرة فى وقت انتشاء، فـ«الخرطوم تقول الآن نعم».
استدعاء الذاكرة بالرموز من مقومات الشخصية اليهودية على مدى تاريخها، سمة عامة موروثة وراسخة.
أراد ــ أولا ــ أن يذكر جمهوره الصهيونى بأنه حقق ما لم يخطر لهم على بال لعله يرمم شعبيته المتصدعة.
أراد ــ ثانيا ــ أن يذكر بالأجواء التى سادت العالم العربى إثر يونيو (1967)، عندما خرجت العاصمة السودانية بكل سكانها إلى الشوارع لاستقبال «جمال عبدالناصر» عند حضوره للمشاركة فى قمة عربية طارئة، ثقة فيه وتأكيدا على إرادة مواصلة الحرب حتى تحرير الأراضى العربية المحتلة بقوة السلاح.
كان ذلك حدثا استثنائيا فى التاريخ، أنجح القمة العربية قبل التئامها، وبدا القادة العرب فى وضع تهيؤ للاستجابة لما يطلبه «عبدالناصر».
وأراد ــ ثالثا ــ أن يطل منتشيا على المستقبل المنظور «هذا عهد جديد، عهد من السلام الحقيقى، الذى سوف يتسع نطاقه إلى دول عربية أخرى».
أى سلام؟!
إنه السلام الذى يؤذن بالحقبة الإسرائيلية فى العالم العربى وإعادة صياغة الشرق الأوسط من جديد بموازين قوى مختلفة تتحكم إسرائيل فى مفاصله وتفاعلاته الاقتصادية والاستراتيجية.
إنه سلام القوة والتطبيع المجانى، فاللاءات الثلاثة ماتت إكلينيكا، والمبادرة العربية، التى تقايض التطبيع الكامل بالانسحاب الشامل من الأراضى العربية المحتلة منذ عام (1967)، لاقت المصير نفسه.
بقوة الرموز أغلق إعلان التطبيع الإسرائيلى ــ السودانى صفحة كاملة من الصراع العربى الإسرائيلى على حساب ما تبقى من القضية الفلسطينية، كأنها باتت عبئا على النظم العربية جاء وقت التخلص من صداعها بسلام مدعى يمنح إسرائيل ما لم تحصل عليه بالحرب.
بدا ذلك استثمارا إسرائيليا فى الرموز طلبا لمحو ذاكرة العرب المعاصرين بإنكار أية معارك خاضوها، وأية قضايا ألهمتهم ذات يوم.
باسم عودة السودان إلى المجتمع الدولى وإعادة دمجه ماليا واقتصاديا بعد رفع اسمه من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب جرى تسويغ التطبيع مع إسرائيل وتهيئة الرأى العام الداخلى للانخراط فيه.
فى التحضير لذلك النوع من السلام، الذى يستثمر فى أزمات السودان الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية، ارتفعت أصوات تتحدث عن دعم مالى دولى متوقع لبلد يعانى بقسوة.
بمنطق السوق والفوائد لم يعلن قدر ذلك الدعم المالى المتوقع، ولا من يدفع استحقاقاته، الولايات المتحدة والشركاء الغربيين، أم تحال الفواتير إلى دول الثراء العربى؟
قيل إنه يستهدف «تحضير السودان للسلام»، وهو تعبير يتطلب أن تكون هناك حرب بين طرفين، أو منازعات على أراض، وتنازلات متبادلة، ثم يأتى حديث المكافآت والمنح والإغواءات!، لا أن يقحم التطبيع مع إسرائيل كشرط مسبق.
أقصى ما أمكن لإسرائيل أن تشترى به ذلك النوع من السلام إرسال دقيق إلى الخرطوم بقيمة (5) ملايين دولار!، بالإضافة إلى ما وعدت به الولايات المتحدة من ضخ (81) مليون دولار كمساعدات إنسانية.
ذلك يعطى فكرة مبكرة عن قدر ما قد يحصل عليه السودان من معونات ومساعدات مالية فى أوضاع صعبة يعانيها.
كان ذلك استثمارا فى أزمة بلد فقير ومنهك دون أن يجد الطرق إلى المستقبل سالكة أمامه.
بأى منطق قانونى وسياسى وأخلاقى، بدا الربط بين رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب والتطبيع مع إسرائيل تعسفيا.
كان ذلك محرجا بما استدعى نفيه، فيما كانت الحقائق تتحدث علنا دون مساحيق، حتى أن الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أعلن الأمرين معا فى خطاب واحد استهدف فى توقيته تحسين موقفه الانتخابى كرجل سلام جلب لإسرائيل ما لم يفعله أى رئيس أمريكى قبله.
كان ذلك استثمارا فى التوقيت قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ثم جاء الربط بين السلام السودانى الداخلى بالسلام مع إسرائيل مثيرا للتساؤل مجددا حول الصلات التى ربطت الجماعات المسلحة بإسرائيل تسليحا وتمويلا، وعما سعت إليه بعضها لتفكيك السودان وفق تصورات استراتيجية إسرائيلية وغربية سعت إليه.
كان ذلك الربط نوعا من الاستثمار فى خطايا النظام السابق جاء وقت دفع أثمانه على حساب القضية الفلسطينية.
ثم كان مسلتفتا فى جدول أعمال التطبيع المقترح، وفق صياغة «نتانياهو»، «الزراعة والتجارة ومجالات أخرى».. ثم بصياغة ثانية «الزراعة ومكافحة الإرهاب والتطرف».
الزراعة أولا، كأنه إغواء للسودان بالتكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية، فيما الهدف الاستراتيجى الحقيقى أن تضع إسرائيل قدما على النيل، تناكف مصر فى أمنها القومى عند حدودها الجنوبية، تستثمر فى أزمة «سد النهضة»، وتطرح نفسها طرفا رابعا بجوار مصر والسودان وإثيوبيا، لعلها تحصل مستقبلا على حصة من مياه النيل.
هذا نذير بأزمات متفاقمة عند الحدود الجنوبية، وبمناكفات إسرائيلية تعمل على تعميق أية خلافات بين مصر والسودان، كالنزاع الحدودى حول حلايب وشلاتين.
إنه استثمار استراتيجى فى الفراغ الإقليمى الذى ترتب على غياب الدور المصرى بعد توقيع اتفاقيتى كامب ديفيد عام (1978)، التى أسست لنوع من السلام تمددت موجاته حتى وصلنا إلى التطبيع المجانى الذى يمنح إسرائيل كل شىء ويخصم من الفلسطينيين كل شىء.
الأسوأ من كل ذلك الاستثمار فى اضطراب المرحلة الانتقالية، التى تأسست بعد انتفاضة شعبية هائلة أطاحت حكم «عمر البشير»، وحاولت أن تؤسس لحكم ديمقراطى حديث يعلى من شأن السودان وأهله، فإذا بنا أمام تفكك لقوى «إعلان الحرية والتغيير»، قاطرة التغيير، وتعطل للمرحلة الانتقالية، وعجز المجلس السيادى فى جانبه المدنى أن يكون له كلمة فيما يجرى، وتنكر الحكومة الانتقالية لإرادة التغيير التى صعدت بها إلى السلطة.
لا يعقل أو يستقيم أن يكون الإنجاز الأساسى للانتفاضة السودانية ذلك المصير البائس الذى وصلت إليه خيب آمال الذين راهنوا عليها فى العالم العربى وداخل فلسطين نفسها.
هناك إشارات أولية إلى أزمات داخلية تنازع فى أحقية الحكومة الانتقالية والمجلس السيادى الانتقالى على توقيع مثل تلك الاتفاقات وإشارات أخرى تنبئ باتساع نطاق الرفض من قوى سياسية رئيسية شاركت فى الانتفاضة.
للقصة فصول أخرى لم تكتب بعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا الاستثمار في الأزمات السودانية هذا الاستثمار في الأزمات السودانية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 12:46 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح
  مصر اليوم - الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon