توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما ثار عبدالناصر على نظامه!

  مصر اليوم -

عندما ثار عبدالناصر على نظامه

بقلم :عبد الله السناوي

بدت الهزيمة العسكرية فى (5) يونيو (1967)، قبل خمسة وخمسين عاما، مباغتة ومروعة.

كان رأى «جمال عبدالناصر» أن النظام الذى يفشل فى صيانة ترابه الوطنى لا يحق له البقاء.
فى لحظة الهزيمة تقوضت الشرعية وسقط النظام، غير أنه تبدت فى تظاهرات (٩) و(١٠) يونيو شرعية مستأنفة رفضت تنحيه وفوضته الحكم من جديد لإزالة آثار العدوان دون أن يكون ذلك تفويضا على بياض.
لم يسبق لأمة مهزومة ومجروحة فى كبريائها الوطنى أن راهنت على قائدها المهزوم، باعتباره أملها فى رد اعتبارها وتحرير أراضيها التى احتلت.
المفاجأة أخذت «عبدالناصر» نفسه، الذى كان يتصور أن تُنصب له المشانق فى ميدان التحرير.. لا أن تخرج الملايين تعرض المقاومة وتطالبه بالبقاء.
«غادرت الجريدة إلى الشارع وكان الظلام ينتشر بسرعة والناس تجرى فى كل اتجاه وهم يصيحون ويهتفون. ثم أخذوا يشكلون اتجاها واحدا إلى مصر الجديدة. وهم يرددون فى جنون اسم ناصر. وظهرت بعض الأنوار فى المحلات والمنازل ثم دوت أصوات مدافع فوق رءوسنا فساد الظلام من جديد».

تلك الصورة التقطها «صنع الله إبراهيم» فى روايته (١٩٦٧) من أحداث ومشاعر عاين عمقها بنفسه ـ انفجار بالبكاء وتشنج وانهيار وخروج بعفوية للشوارع عند إعلان «عبدالناصر» تنحيه.
كان الروائى الشاب فى ذلك الوقت مطاردا سياسيا.
خرج من المعتقل عام (١٩٦٤) بعد أن قضى خلف جدرانه خمس سنوات كاملة.
كانت الإذاعات تمهد إلى أن هناك نصرا عسكريا يقترب فإذا بالهزيمة تقع.
بدت الصدمة هائلة بقدر الأحلام التى حلقت والثقة التى توافرت.
ضرب مشروع «جمال عبدالناصر» من بين ثغرات نظامه.
وصف الشاعر السودانى «محمد الفيتورى» ما جرى فى يونيو، وما بعده بـ«جلال الانكسار».
كان ذلك التعبير قريبا فى معناه ودلالته مما أطلقه الشاعر العراقى الكبير «محمد مهدى الجواهرى» فى وصف «عبدالناصر» بـ«عظيم المجد والأخطاء».
معنى مقارب ذهب إليه الشاعر «أحمد فؤاد نجم» فى قصيدة كتبها بعد سنوات طويلة من رحيل الرجل الذى هجاه فى حياته:
«عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت
وعاش ومات وسطنا
على طبعنا ثابت

وإن كان جرح قلبنا كل الجراح طابت
ولا يطولوه العدا
مهما الأمور
جابت».
بعد صدمة «يونيو» جرت مراجعات واسعة لأسباب الهزيمة وأوجه الخلل فى بنية النظام السياسى قادها «عبدالناصر» بنفسه.
فى محاضر رسمية حاكم نظامه بأقسى ما يمكن تصوره من عبارات، لم يكن مستعدا أن يسامح نفسه على أنه لم يحسم الأوضاع المختلة فى القوات المسلحة قبل أن تقع الواقعة، أو أن يتسامح مع أسباب الهزيمة.
«فى رأى أن النظام الحالى استنفد مداه ولا بد من نظام جديد».
«لا أريد معارضة ممسوخة».

«أنا ضد نظام الحزب الواحد لأن الحزب الواحد يؤدى غالبا إلى قيام ديكتاتورية مجموعة معينة من الأفراد».
«.. إن لم نغير نظامنا الحالى سنمشى فى طريق مجهول ولن نعلم من يستلم البلد بعدنا».
«لم يبق فى عمر معظمنا أكثر من عشر سنوات، خاصة بالنسبة لى مع المرض اللى عندى والجهد الذى أتعرض إليه. لذلك أنا شايف ضرورة تغيير نظامنا بحيث لا يسمح النظام الجديد لشخص أو لشلة غير واعية أو جاهلة سياسيا أن تحكم البلد. البلد الذى أعطانا ثقته المطلقة بلا حدود».
وفق محضر جلسة تالية طرح السؤال التالى:

«إلى أين المسير بهذا النظام القديم؟».
«لا بد من أن يكون نظامنا مفتوحا، ولا بد أن تكون هناك معارضة، كما يجب أن نفتح الباب للجرايد أن تكتب بالمفتوح لأننى أعتقد أن الطهارة الثورية بعد خمسة عشر عاما (من الثورة) أصيبت كثيرا، وحتى الوحدة الفكرية بيننا أصبحت غير موجودة».
«اختيارنا للنظام المفتوح يحتاج لكثير من التغيير، وإلا سيبقى مجرد ألفاظ وستنظر إليه الناس بعدم الثقة ويقولون إننا رفعنا هذا الشعار من أجل أن تتفتح الزهور فقط على طريقة المثل الصينى ليسهل تمييزها وقطفها».
بدا «عبدالناصر» كمن يثور على نظامه.
ولم تكن أول مرة.

فى مطلع الستينيات ثار على نظامه بتحولات اجتماعية غيرت فى البنية الطبقية، وأحدثت حراكا غير مسبوق.
كأى تجربة إنسانية كانت هناك أخطاء بعضها أقرب إلى الخطايا، غير أن المسار العام حكمه مشروع واضح فى معالمه وتوجهاته.
كانت تلك ثورة اجتماعية.
فى أعقاب الهزيمة ذهبت انتقاداته لنظامه إلى ما يقارب الثورة السياسية عليه.
المثير فى تلك المحاضر المسجلة أن أغلبية الأعضاء لم يكونوا فى صف الرئيس، عارضوا فكرته بداعى أن هناك خطورة من تعديل النظام قبل إزالة آثار العدوان، أو أنه يؤدى إلى تفسيخ البلد فى هذا الظرف بواسطة المعارضة، لأن «شعبنا بخير ويثق فى هذا الرجل» ـ كما قال «أنور السادات» فى أحد الاجتماعات المسجلة بانفعال كبير، مشيرا إلى «جمال عبدالناصر».
المراجعات جرت فى توقيت واحد مع إعادة بناء القوات المسلحة والدخول التدريجى فى مواجهات عسكرية مباشرة.
كان «عبدالناصر» مستعدا أكثر من غيره لتقبل كل نقد لأسباب الهزيمة وتفهم دواعى أصحابها مهما بدت العبارات قاسية ـ كما فعل الشاعر «نزار قبانى» فى «هوامش على دفتر النكسة»، التى كتبها بحد سكين غضبه.
«أنعى لكم، يا أصدقائى، اللغةَ القديمة
والكتبَ القديمة
أنعى لكم..

كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمة
«يا سيدى..
يا سيدى السلطان
لقد خسرتَ الحربَ مرتين
لأنَ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسان
ما قيمةُ الشعبِ الذى ليسَ لهُ لسان؟».
تعرضت أعمال «نزار قبانى» للمصادرة فى مصر.
جرت حملة صحفية عليه بدواعى الغيرة فى النفوس، تصدرها الشاعر «صالح جودت».
بنصيحة من الناقد الأدبى «رجاء النقاش»، كتب «نزار» خطابا إلى «عبدالناصر»، الذى لم يكن قد قرأ الديوان الغاضب.
عندما أطل على نصه أشر عليه بالنشر فى مصر دون حذف حرف واحد.
بعد سنوات قليلة من هذه القصة المثيرة اختلفت المواقع.
هاجم «صالح جودت» «عبدالناصر» بضراوة فيما أنشد فيه «نزار قبانى» قصيدة رثائية فاقت شهرتها «هوامش على دفتر النكسة»:
«قتلناكَ..
يا حبنا وهوانا..
وكنت الصديق، وكنت الصدوق،
وكنت أبانا..
وحين غسلنا يدينا..
اكتشفنا..
بأن قتلنا منانا..
وأن دماءك فوق الوسادةِ..
كانت دمانا..».

الفارق الزمنى بين القصيدتين ثلاث سنوات.
والفارق الموضوعى هو نفسه الفارق بين نظام أخفق فى حفظ سلامة حدوده ومشروع ألهم العرب ذات يوم أنهم يستطيعون أن يصنعوا مستقبلهم بأنفسهم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما ثار عبدالناصر على نظامه عندما ثار عبدالناصر على نظامه



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon