توقيت القاهرة المحلي 21:31:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما وراء الخطاب التركى الجديد

  مصر اليوم -

ما وراء الخطاب التركى الجديد

بقلم: عبد الله السناوي

لم يكن اكتشافا جديدا قدر ما تمثله مصر بحقائق الجغرافيا والتاريخ من أنها «ما زالت تمثل عقل العالم العربى وقلبه»، ولا أهمية ردم فجوات الثقة والتوترات فى الإقليم ببناء شراكة متبادلة بين البلدين المتصادمين مصر وتركيا فى قضايا شرق المتوسط وليبيا وفلسطين والعلاقات الثنائية.
بعبارات متشابهة بألفاظها ومعانيها ورسائلها تبارى المتحدث باسم الرئاسة التركية «إبراهيم قالين»، ووزير الدفاع «خلوصى آكار»، ووزير الخارجية «مولود جاويش أوغلو» فى الدعوة إلى فتح صفحة جديدة مع مصر و«عدد من دول الخليج».
كان ذلك تحولا جوهريا فى لغة الخطاب السياسى، يعاكس ما تبناه القادة الأتراك فى السنوات التى أعقبت (30) يونيو (2013) وإطاحة جماعة «الإخوان المسلمين» من الحكم فى مصر.
لا تنشأ تحولات الخطاب السياسى دون مقدمات تدعو إليها وحسابات وتوازنات قوى ومصالح لا يمكن تجاهلها.
هناك عاملان رئيسيان من وراء الغزل التركى بالتودد إلى مصر ودول الخليج.
الأول ــ داخلى باتساع نطاق حالة عدم الرضا على السياسات الإقليمية التى يتبعها الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» إلى داخل حزبه نفسه، فليست هناك مصلحة تركية فى الدخول بمنازعات استراتيجية مفتوحة مع مصر ولا خسارة المصالح الاقتصادية مع الخليج.
الثانى ــ دولى باختلاف المعادلات فى عالم يتغير تحت ضربات الجائحة والانتقال من ولاية إلى أخرى فى البيت الأبيض الأمريكى.
لا يوجد ما يطمئن تركيا على ما قد تتبعه إدارة «جو بايدن» فى ملفات الشرق الأوسط ولديها خشية مسبقة من أن تجرى تسويات على حسابها فى حلف «الناتو» عند إعادة ترتيب أوضاعه تعبيرا عن التحالف الغربى، الذى تراجع بفداحة أثناء ولاية «دونالد ترامب»، أو فى الصراع على غاز شرق المتوسط لصالح اليونان وقبرص وفرنسا بالتداخل.
باستثناء أزمة الاتفاق النووى الإيرانى يصعب الحديث عن أية أولوية أخرى ملحة فى الإقليم على الأجندة الأمريكية الجديدة، وإذا ما استدعت الحوادث أدوارا أمريكية فى أية منازعات تفرض نفسها لا يمكن لأنقرة التعويل على أى دعم من البيت الأبيض.
هذه أجواء قلق استدعت مقاربات جديدة فى الخطاب السياسى.
ما هو خاف فى الكواليس أكبر مما هو معلن أمام الميكروفونات والملفات المعلقة تطرح نفسها على الاختبار العملى.
هناك فارق بين نبرة الخطاب وجوهره، الأول ــ دعوة إلى صفحة جديدة دون أن تتجاوز العناوين العامة.. والثانى ــ دخول فى الموضوع بمراجعة السياسات وحدودها وما قد تنطوى عليه من فرص مشتركة ومناطق ملغمة.
الملف الأكثر إلحاحا، غاز شرق المتوسط ومناطق تعيين الحدود البحرية، وهو يكتسب أهميته القصوى من حجم حقول الغاز المتنازع عليها لاقتصادين منهكين.
جرى تبادل رسائل عديدة معلنة وغير معلنة التزمت مصر خلالها بعدم الاقتراب من الجرف القارى التركى عند تعيين حدودها البحرية مع اليونان وقبرص.
كانت تلك رسالة إيجابية التقطتها أنقرة بالإشادة المعلنة وسط خضم الصراعات الجارية، التى كادت أن تفلت إلى مواجهات عسكرية مباشرة فوق الصحراء الليبية.
بذات الوقت ألحت العاصمة التركية مرارا وتكرارا فى خطابها المعلن ورسائلها المتضمنة على أن اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع الحكومة الليبية السابقة احتفظت لمصر بكامل حقوقها الغازية.
وكانت تلك رسالة إيجابية لم تغفلها القاهرة رغم حدة المواجهات الاستراتيجية على غاز شرق المتوسط.
اعتبارات الأمن فرضت أولويتها فى رفض اتفاقيتى ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمنى العسكرى، التى وقعها الرئيس التركى مع رئيس حكومة الوفاق الليبية «فايز السراج» بلا سند شرعى يخولها عقد مثل هاتين الاتفاقيتين.
بلغة خرائط الغاز لم يحدث إضرار بالمصالح المصرية فيما توصل إليه «أردوغان» و«السراج».
وبلغة الأمن بدت اتفاقية التعاون الأمنى ضربا مباشرا على العمود الفقرى للأمن القومى تجعل حدود مصر الغربية تحت الانكشاف الكامل لضربات جماعات العنف والإرهاب، كما بدت أقرب إلى مشروع تدخل عسكرى تركى مباشر بالتدريب والتسليح وإرسال المقاتلين من سوريا لتغيير موازين القوى على الأرض فى ليبيا.
لأسباب استراتيجية وجدت مصر نفسها فى معسكر واحد مع قبرص واليونان، كلتا البلدين على صراع موروث طويل ومعقد مع تركيا، تداخلت فرنسا فى الصراع لأسبابها ومصالحها وتواجدت إسرائيل وتناقضت مصالح بين الحلفاء المفترضين.
بطبيعة التحالف تبدت شروخ هنا وهناك وتعرض مشروع أن تكون مصر مركزا إقليميا للغاز لمنازعات وضربات من داخل ذلك التحالف، دعت تركيا للتفكير فى إعادة التمركز داخل سيولة المعادلات بخطاب سياسى جديد يتودد لمصر ودول الخليج لإنهاء عزلتها.
لا يصلح هذا النوع من ألعاب السياسة لبدء أية صفحات جديدة تصحح علاقات الدول على أسس صحيحة وراسخة.
يصعب أن تتخلى مصر عن تحالفاتها مع اليونان وقبرص، رغم ما تنطوى عليه من تساؤلات، للدخول فى علاقة شراكة مع حليف غير موثوق به.
للشراكات أصولها وقواعدها.
باليقين فإن تحسين العلاقة مع تركيا خيار صحيح، بالنظر إلى حجمها ودورها فى الإقليم كأحد مكوناته الرئيسية.
وباليقين فإن القفز فوق الملفات المعلقة لا يساعد على أية تجاوز لأزمات الإقليم، التى تتداخل فيها تركيا، وأهم هذه الملفات نظرة تركيا لطبيعة دولتها، هل هى دولة أيديولوجية تتبنى الإسلام السياسى وتسعى لتأسيس دولة خلافة، أم أنها دولة طبيعية حديثة تعمل وفق القواعد الدولية المتعارف عليها بلا تحريض على عنف، أو تغول على حقوق دول الجوار كسوريا والعراق؟
التحفظ بالتساؤل ضرورى لجدية نجاح المسعى فى إغلاق صفحة من الصراعات الإقليمية وفتح أخرى على أسس صحيحة وفق المصالح المتبادلة.
هناك ما يؤشر بالتسريب إلى حوارات كواليس وتفاهمات أولية سعت إليها تركيا، وتفاعلت معها مصر، وألمت بها أطراف فى الخليج لم تتضح كامل صورتها.
الاختبار الأساسى، الذى يطرح نفسه الآن لما يمكن أن يصل إليه الخطاب التركى الجديد، ما قد يحدث فى ليبيا خلال الفترة الانتقالية التى بدأت للتو، ومدى قدرة الحكومة الجديدة على الوفاء بمهامها المتوافق عليها دوليا فى نزع سلاح الميليشيات وتوحيد مؤسسات الدولة.
الخطاب اختلف وبقى أن تتعدل السياسة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء الخطاب التركى الجديد ما وراء الخطاب التركى الجديد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon