توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما قبل «الربيع العربى»!

  مصر اليوم -

ما قبل «الربيع العربى»

بقلم: عبد الله السناوي

بإحساس فنان يستشرف ما هو غامض فى الأفق لم يكن المخرج الراحل «يوسف شاهين» مقتنعا فى يونيو (2005) قبل انفجار عواصف ما أطلق عليه «الربيع العربى» أننا سوف نصل إلى عام (2011) على الطريقة التى يفكرون بها ويخططون على أساسها لنقل السلطة بالتوريث من الأب إلى النجل الأصغر.
«ما يمكن يكون الشعب نزل من هنا إلى 2011، ماحدش يعرف، رغم إنى ساعات بيحصل لى إحباط من الشعب، إزاى ساكت على كل ده... زيادة عن كده إيه علشان يتحرك».
كانت تلك نبوءة مبكرة لما قد يحدث فى المستقبل المنظور من مفاجآت تغير المعادلات بالنزول الجماهيرى الواسع إلى الشوارع والميادين قطعا للطريق على سيناريو التوريث الماثل.
كان عام (2005) بأحداثه ورسائله وتداعياته حاسما فى تقرير مصير نظام الحكم ومنذرا بنهايات تقترب.
فى ذلك العام أجريت أول انتخابات رئاسية قيل إنها تنافسية.
لم تكن هذه أول انتخابات منسوبة للتعددية فى العالم العربى.
قبل أن يطل القرن الحادى والعشرون أجريت عام (1999) انتخابات تعددية شكلية فى تونس واليمن على التوالى.
جرت احتفالات دعائية بالتجربتين، دون أن تكون هناك انتخابات تستحق أن تنسب إلى طلب الديمقراطية.
لم يكن الرئيس التونسى «زين العابدين بن على»، جادا فى أى إصلاح سياسى، وجرت المراسم الانتخابية كنوع من الاستفتاء المقنع، كل شىء مقرر سلفا.
وكان الرئيس اليمنى «على عبدالله صالح» أكثر وضوحا وصراحة بأهدافه من إجراء انتخابات تعددية شكلية على النمط التونسى.
صرح علنا: «لا بد أن نحلق لأنفسنا قبل أن يحلق الآخرون لنا»، قاصدا التغيير بالإجبار الأمريكى!
بعد ستة أعوام استنسخت فى مصر تجربة ثالثة، غير أن الأحوال فى المنطقة كانت قد تغيرت، كأن زلزالا استراتيجيا ضربها إثر احتلال العاصمة العراقية بغداد عام (2003).
على غير توقع وانتظار انفجرت قبل عشر سنوات بالضبط براكين الغضب فى مدينة «سيدى بوزيد» قبل أن تنتقل حممها إلى كل تونس إثر انتحار بائع الخضراوات والفاكهة الشاب «محمد البوعزيزى» بفائض شعوره بالإهانة البالغة، التى تلقاها من ضابطة شرطة.
كان ذلك حدثا اعتياديا فى بلد دأبت السلطات الأمنية على التنكيل بمواطنيها.
بعض الحوادث تكتسب رمزيتها من عمق تأثيرها وقدرتها على إلهام التغيير.
ما هو ساكن تحرك وما هو متراكم انفجر.
بعد أيام قليلة امتدت موجة الغضب إلى مصر.
قيل بالادعاء أن مصر ليست تونس.
وقيل الكلام نفسه فى ليبيا وسوريا، وكانت النتائج كارثية.
جرت محاولات توظيف بوادر «الربيع الديمقراطى فى العالم العربى» لمقتضيات الاستراتيجية الأمريكية لتقسيم المنطقة.
جرت تقاطعات بين الدعوات الأمريكية للإصلاح وبين مطالب المعارضة الوطنية فى بلد مثل مصر، غير أن الأهداف تناقضت.
الإدارة الأمريكية بشرت بربيع ديمقراطى بلا أرضية وطنية فيما كان الاتجاه الغالب داخل الحراك الشعبى، الذى جسدته فى ذلك الوقت التظاهرات الاحتجاجية، التى قادتها حركة «كفاية»، يتبنى الخيار الديمقراطى دون تخل عن الالتزام القومى.
فى تلك الأيام سألت الأستاذ «نجيب محفوظ»، على الهاتف وهو بين محبيه بسفينة عائمة على ضفاف نيل القاهرة: «مصر رايحة على فين؟»
كانت إجابته بصوت حزين: «أنا مش شايف مصر رايحة على فين!».
استشعر الحرج من أن يفهم من إجابته أنه لا يريد أن يتحدث، فأردف برقة: «أنا مش متابع، وأصدقائى يقرأون لى بعض ما ينشر».
لم يخطر بباله أن إجابته المقتضبة هى صلب الحقيقة، وأنه رأى ببصيرة الأديب النافذة ما لا يراه الآخرون.
لم يكن أحد يعرف ــ حقا ــ إلى أى مصير مجهول تذهب مصر، ومن يحكم ــ فى مستقبل قريب ــ هنا؟
«نفسى يحكمنا رئيس منتخب قبل أن أموت».
كانت تلك العبارة، التى أطلقها المفكر الراحل الدكتور «مصطفى محمود» فى لقاء نادر بيننا، تعبيرا عن شبه يأس من أن يحدث التغيير المرتجى حتى كاد يكون أمنية أخيرة قبل مغادرة الحياة.
فى أحوال خريف النظام صدرت عن بعض أركانه تصريحات انطوت بمعانيها على إشارات بالغة السلبية عن تدهور مكانة موقع رئاسة الدولة.
«الرئيس مبارك شرف لكم وأنتم مش عاجبكم حد!» – يناير (2005).
كان ذلك تصريحا لرجل البرلمان القوى «كمال الشاذلى».
«أطالب المعارضة باحترام رئيس الجمهورية مثل حضرة العمدة!».
كان ذلك تصريحا ثانيا لوزير الداخلية اللواء «حبيب العادلى» – مارس (2005).
«الحكم يفتقد الخيال السياسى.. ومصر حبلى بالتغيير» – سبتمبر (2005).
كان ذلك تصريحا ثالثا للدكتور «على الدين هلال» من قلب أمانة السياسات، التى يترأسها نجل الرئيس الأصغر.
«ما أنجزه مبارك لا يتناسب مع طول فترة حكمه» – مارس (2006)
كان ذلك تصريحا رابعا من داخل المنظومة الإعلامية، التى دأبت على الترويج للرئيس، على لسان «مكرم محمد أحمد».
هكذا بدت السلطة بكافة مكوناتها أقرب إلى أوراق خريف تتساقط، لا هى مقتنعة بقدرة الرئيس «مبارك» على الحكم ولا على الإنجاز، ولا هى قادرة على إكساب موقعه احتراما يعوزه.
وهكذا بدت مصر قرب نهايات حكمه أقرب إلى حالة «كرب ما بعد الصدمة» ــ حسب تعبير عالم النفس الدكتور «أحمد عكاشة».
كان التغيير محتما بحقائق المجتمع ومطالبه لا بادعاءات نظريات المؤامرة.
بدأت تتردد همسا فى أوساط أمنية وسيادية اعتراضات على مشروع «التوريث» وأخذ صوتها يرتفع ويضغط على مراكز القرار فى البلد.
بنبرة استهجان تساءل الروائى «بهاء طاهر» عما إذا كانت الأحوال فى مصر قد دخلت فى مغارات المجهول، حيث مجلس الشعب ينشغل بواقعة دينا ورقصاتها فى احتفالية تخرج لتلاميذ مدرسة ثانوية خاصة، دون أدنى التفات بمعاناة شعب لا يجد لقمة عيشه وترعبه مخاوف المستقبل.
كان ذلك هو الحال عند مركز السلطة فى الخريف الذى استطالت أيامه قبل أن تهب عواصف ما أطلق عليه «الربيع العربى».
بتدقيق المعانى والألفاظ لم يكن ما حدث ربيعا، لا هبت نسمات الديمقراطية ولا حل العدل الاجتماعى، لكنه كان تعبيرا شرعيا عن إرادات شعوب جرى إجهاض ثوراتها، بأخطاء ارتكبت حرفت مسارها، أو بتدخلات أجنبية هدمت بلدانها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما قبل «الربيع العربى» ما قبل «الربيع العربى»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon