توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان ومستقبله.. تحديات وتساؤلات

  مصر اليوم -

السودان ومستقبله تحديات وتساؤلات

بقلم: عبد الله السناوي

بقدر اتساع الأفق السياسى السودانى على تطلعات التحول إلى دولة مدنية حديثة تبدت هواجس ومخاوف من سيناريوهات الإجهاض، قبل أن يستكمل مقوماته وتستقر حقائقه فى نظام سياسى جديد يعلن القطيعة النهائية مع إرث الماضى.
فى حفل التوقيع على وثائق المرحلة الانتقالية كان الفرح طاغيا بالوصول إلى تلك النقطة بعد صدامات وتضحيات سقط فيها شهداء ومصابون ونزف السودان المنهك، كما لم يحدث من قبل، غير أن ذلك لم يحل دون أن تطرح التحديات نفسها عند خط البداية، وكل تحد معه تساؤلاته المعلقة.
إلى أى حد يمكن التماسك الوطنى الواسع حول المبادئ الأساسية والأهداف التى توافقت عليها «قوى إعلان الحرية والتغيير»، رافعة الحدث الكبير، إلى الشوارع والميادين ومسارح التاريخ الحى؟
السؤال ليس افتراضيا، فلا يوجد هيكل تنظيمى منضبط لـ«قوى الحرية والتغيير»، وهى شبكة من التحالفات المتداخلة والتناقضات المؤجلة، وتحتاج إلى اتساع أفق لتجنب مطبات وعثرات الطريق الطويل حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، التى تستغرق أكثر من ثلاث سنوات.
عند تشكيل المجلس السيادى اضطرت «قوى الحرية والتغيير» إلى طلب مهلة يومين إضافيين حتى تعدل بالحذف والإضافة فى قائمة ممثليها؛ حيث امتلكت بعض أطرافها حق الفيتو على أسماء بعينها، أو على تجاوز القواعد المتفق عليها فى الاختيار.
فى نهاية المطاف لم يكن الاختيار متسقا مع أحد المبادئ الرئيسية وهو رفض المحاصصة الحزبية والجهوية وأن يقتصر الاختيار على الكفاءة وحدها.
لاعتبارات عملية كان ذلك شبه مستحيل فى أوضاع تحكمها الجهويات والصراعات المعلنة والمكتومة.
إذا كان ممكنا فى لحظة الذروة، ذروة الحدث والثقة العامة تجتاح الشوارع، أن يحدث شىء من الإحباط فإنه يصعب استبعاد اتساع الخلافات بين مكونات «قوى إعلان الحرية والتغيير» فى تجربة الحكم، أو تحت ضغط أى صدامات محتملة بين المكونين العسكرى والمدنى فى مجلس السيادة.
الضمانة الرئيسية للتحكم فى حركة الأحداث، أو أن تظل تحت سقف البرنامج المشترك، الوعى العام بحجم التحديات والمخاطر ومطبات الطريق وقدرة الأجيال الجديدة التى تصدرت الصفوف على ألا تفقد البوصلة.
كان لافتا تصدر الأجيال الجديدة مشهد التوقيع على وثائق المرحلة الانتقالية، فالذى وقع باسم الحرية والتغيير عليها «أحمد ربيع» مدرس شاب للفيزياء فى مطلع الثلاثينيات، والذى ألقى البيان الرئيسى «محمد ناجى الأصم» طبيب شاب فى الثامنة والعشرين من عمره.
غير أن ذلك لا يعنى أن القوى الحديثة قد استتب لها الأمر، وأن الأجيال الجديدة استقرت عندها حقائق القوة.
وفق ما هو متفق عليه لا يحق لأحد من قيادات الحرية والتغيير، أو تجمع المهنيين، أن يتولى أى موقع تنفيذى، سيادى أو وزارى، خلال المرحلة الانتقالية تجنبا لأية مشاحنات حزبية، أو أن تفتقد التحالفات تماسكها وقدرتها على الإشراف العام على مدى الالتزام بنصوص الوثائق الموقعة.
هذا مبدأ صحيح من الناحية العملية لكنه يفقد قيادات الثورة المؤهلة خبرة الحكم واكتساب مهاراته الضرورية ويحيل السلطة الانتقالية إلى مجموعة من التكنوقراط المستقلين، وهذا مشروع تناقض مؤجل بين الثورة والدولة حيث لا يمكن تجنب الصدام بين عقليات مختلفة ونوازع متضاربة.
باليقين فإن الدعم الإقليمى والدولى الذى توافر فى حفل التوقيع، قبله وبعده، للتحول الكبير فى السودان ضمانة إضافية لمضى الحركة للأمام بعض الوقت، وليس كل الوقت؛ حيث التناقضات الإقليمية مؤجلة مؤقتا لحين اتضاح الحقائق الجديدة.
من عناصر القلق المبكر غياب الحركات المسلحة عن حفل التوقيع وقدر التحفظات التى أبدتها، وربما تعجلها تحميل الحوادث أكثر مما تحتمل والمصالحات بأكثر مما تطيق الصياغات، التى تم التوصل إليها بمشقة هائلة.
بأى نظر جدى لموروث الأزمة السودانية فإن قضية الحرب والسلام استهلكت أعصاب وقدرات وموارد الدولة، قسمتها ومزقتها وأفقرت شعبها وأشاعت اليأس العام من أى إصلاح.
يكاد أن يكون مستحيلا التطلع إلى تحسين الأحوال المعيشية المتردية والخدمات العامة المنهارة دون وضع حد للحروب الداخلية.
لم تكن مصادفة أن يعلن «عبدالله حمدوك» رئيس الوزراء الجديد، أن السلام قضيته الأولى، رغم أنه بالاختصاص رجل اقتصاد وتنمية لا رجل حرب وسلاح.
ذلك التداخل بين ما هو اقتصادى وما هو أمنى عنصر حاكم فى أى تقدم للأمام، كلاهما لازم للآخر.
لا الأمن بمعناه الواسع ممكن بلا إعادة دمج للحركات المسلحة فى البنية السياسية للبلد ولا حركة الاقتصاد متاحة إلا إذا تغيرت البيئة العامة، التى تحرض على العنف والفساد والاستبداد.
يفترض نظريا أن تستغرق قضية الحرب والسلام الستة أشهر الأولى من المرحلة الانتقالية.
بالنظر إلى فجوات عدم الثقة المتوارثة يصعب التقيد بالمواعيد المضروبة سلفا، أو أن تمضى المباحثات على طرق معبدة عليها إشارات مرور ترشد إلى النهايات السعيدة.
كل شىء سوف يمضى شاقا، وله أكلاف وأثمان.
المشكلة ــ هنا ــ أن الأزمة الاقتصادية يصعب أن تنتظر، فيما السودانى العادى يتطلع إلى تحسين أحواله، أن يحدث شىء ما جديد ومفارق عما كان عليه ودعاه للثورة وبذل التضحيات.
كيف؟.. ووفق أى خطة وأولويات؟.. وبأى قدرات وإمكانيات؟!
أسئلة أقرب إلى المعضلات وقد تفضى الإجابات عند حدود الواقعية إلى ما يشبه الارتطام بأرض الواقع بعد التحليق قرب القمر.
الملف الاقتصادى فى عمقه تتداخل فيه اعتبارات التهميش والتمييز ونهب المقدرات العامة مع سوء الإدارة، كما تتداخل فيه التناقضات الإقليمية التى لعب النظام السابق على كل حبالها.
هذه كلها تحديات تحتاج إلى وقت طويل نسبيا وإعادة تصحيح عند جذور السياسات وبناء البلد من جديد وتفكيك الدولة العميقة، التى ترسخت على مدى ثلاثين سنة على يد واحد من أسوأ النظم السياسية التى عرفها العالم العربى.
أحد مداخل التغيير من عند الجذور المساءلة السياسية لعصر «عمر البشير»، الجرائم التى ارتكبت والتشوهات التى حدثت، ما الذى حدث؟.. وما الذى يجب ألا يحدث مرة أخرى؟.. لا إجراء محاكمات عن وقائع محدودة فى آخر عهده، محاكمة العهد لا محاكمة بضعة ملايين من العملات الأجنبية وجدت فى قصره عند خلعه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان ومستقبله تحديات وتساؤلات السودان ومستقبله تحديات وتساؤلات



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon