توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين الثورة والحراك: التجربة الجزائرية

  مصر اليوم -

بين الثورة والحراك التجربة الجزائرية

بقلم: عبد الله السناوي

لم يكن أحد يعرف اسم قائد الثورة، التى توشك أن تعلن فى الجزائر وتصنع مصيرها بدماء أبنائها.
«دم الثوار تعرفه فرنسا.. ونعرف أنه نور وحق
فصحت نحن مختلفون دارا.. ولكن كلنا فى الهم شرق».
كانت تلك مقدمة غنائية بصوت «محمد عبدالوهاب» من كلمات أمير الشعراء «أحمد شوقى» لأول خطاب يلقيه «أحمد بن بيللا» عبر آثير «صوت العرب» من القاهرة يوم (2) يوليو (1954) قبل شهور قليلة من الرصاصة الأولى.
بدت نهاية الخطاب عميقة وملهمة: «كان الفرنسيون يقولون فى أعماقهم دون صوت أيام بطش الاحتلال النازى فرنسا للفرنسيين.. فليردد كل الجزائريين، ولو بصوت أخرس صباح مساء، كلما رأوا فرنسيا جنديا أو مستوطنا الجزائر للجزائريين».
فى حوارات القاهرة أبلغ «بن بيللا» السلطات المصرية أن الرصاصة الأولى سوف تطلق فى الساعة الواحدة من صباح (٣٠) أكتوبر (١٩٥٤).
بدأت «صوت العرب» استعدادها لهذا اليوم التاريخى بتكتم بالغ طلبه وألح عليه «جمال عبدالناصر» على ما جاء فى مذكرات خطية لمؤسسها «أحمد سعيد» لم يتسن أن تنشر حتى الآن.
أعدت مواد إعلامية ووثائقية وتعبوية وأنتجت أناشيد ومسلسلات جديدة ترفع مستوى الوعى العام بحقائق التاريخ وهوية الجزائر، وحقها فى طلب الاستقلال.
كان سر الأسرار جميعها نص بيان مكتوب باللغتين العربية والفرنسية لإذاعتهما فور الحدث الكبير.
كانت توجيهات «عبدالناصر» إلى «فتحى الديب»، الذى كان يتولى من موقعه فى رئاسة الجمهورية متابعة الملف الجزائرى بأدق تفاصيله: «عندما يثبت تنظيم الكفاح المسلح ومن يومه الأول قدرته على العمل الثورى الشامل فإن مصر سوف تلقى بثقلها كاملا عارفة بمسئوليتها ومتقبلة لتضحياتها».
لكنه بدا متحفظا على الحماس الزائد، الذى خطط لنحو ثمانين عملية فى اليوم الأول: «يكفينى ١٥ أو ١٦ عملية بامتداد الجزائر وأن تكون ذات دوى فى العاصمة حتى تلفت أسماع العالم».
عندما أزف الوقت المحدد ـ مساء السبت ٣٠ أكتوبر ـ أعلنت حالة الطوارئ فى «صوت العرب»، وألغيت الانصرافات الليلية المعتادة بعد انتهاء الإرسال.
لإخفاء السبب الحقيقى جرى التنويه أن هناك معلومات عن حشود عسكرية فرنسية تتحرك من الجزائر وتونس لإجهاض ثورة الشعب المغربى.
شاءت الظروف أن يكون متواجدا فى الإذاعة بذات الوقت زعيم حزب الاستقلال المغربى «علال الفاسى»، بما أضفى صدقية كاملة على التنويه.
جاء صباح الأحد وحل نصف النهار دون أن تكون هناك أى أخبار من الجزائر.
جرت اتصالات ومحادثات وتساؤلات: ما الذى حدث؟
كان ذلك مربكا ومقلقا فى الوقت نفسه.
القلق طال «عبدالناصر»، الذى كان يراهن على ثورة الجزائر فى تغيير معادلات المنطقة.
خامره شىء من الشك فى جدية الاستعداد، أو ربما أن التفاؤل كان أكثر من اللازم.
«نحن مجبرون» ـ كانت تلك أول إشارة تصل من «بن بيللا» مكتوبة بالفرنسية.
«قال لى فتحى الديب أخوك الكبير قلق، وبالغ القلق، وسوف اتصل به حالا لأطمئنه أن عملية أخته الحاجة اليوم بإذن الله» ــ على ما روى «أحمد سعيد».
لأسباب ميدانية تأجلت العمليات المسلحة، التى شملت أنحاء واسعة من الجزائر، إلى الأول من نوفمبر.
فى ذلك اليوم من عام (١٩٥٤) ، قبل (65) سنة بالضبط، بدأت تتوالى الأخبار من وكالة الأنباء الفرنسية عن «محاولات تخريب، تقدر خسائرها بآلاف الفرنكات».
«اندلعت الشرارة الأولى للكفاح الجزائرى، الذى اعتقد الجميع أنه أمر مستحيل، ليستمر أكثر من سبع سنوات، ناضل خلالها الجزائريون بقوة وجدية ورجولة أكسبتهم احترام الرأى العام العربى والدولى على السواء».
عندما علم «عبدالناصر» أن دوى الانفجارات أرعب قوات الاحتلال الفرنسى تأكد أن الجزائر قد استعادت استقلالها وأكدت هويتها العربية، وأن الباقى تفاصيل.
فى معركة الجزائر تأكد الدور المصرى فى عالمه العربى بلا من أو ادعاء.
القاهرة تابعت أدوارها من الرصاصة الأولى فى نوفمبر (١٩٥٤) حتى استقلت الجزائر فى يوليو (١٩٦٢) حاضرة فى قلب التخطيط السياسى والإعلامى والعسكرى شريكا كاملا فى المعركة.
كانت لشحنات السلاح المصرية، التى هربت إلى جبال الجزائر عبر البحار أو الحدود الليبية، وتدريب المقاتلين عليها، دور محورى فى حسم حرب التحرير.
كان «هوارى بومدين» نفسه أحد الذين تدربوا فى القاهرة قبل أن يجرى تهريبه إلى داخل الجزائر على متن يخت مصرى يحمل شحنات سلاح.
وقد تضمن كتاب «فتحى الديب» «عبدالناصر وثورة الجزائر» حصرا كاملا لشحنات السلاح.
قيمة هذا الكتاب فى قدر التوثيق الذى يحتويه من مستندات ومحاضر سرية وصور نادرة لا تتوافر عند غيره.
«صوت العرب من القاهرة
أيها الأخوة فى كل مكان
نزف إليكم بدء ثورة تحرير واستقلال الجزائر
إليكم بيان جبهة التحرير الوطنى.. اللجنة الثورية للوحدة والعمل
وتم توزيعه اليوم فى جميع أنحاء التراب الجزائرى».
كانت تلك أعظم دقائق إرسال لـ«صوت العرب»، وأكثرها شهرة وتميزا وخلودا تاريخيا ـ كما كتب مؤسسها باعتزاز فى مذكراته.
هكذا كانت الصورة فى القاهرة فى ذلك اليوم الاستثنائى من التاريخ العربى الحديث.
الثورة أكسبت الجزائر مكانة خاصة فى وجدان الشعوب المتطلعة للتحرر الوطنى والاستقلال، وبحجم تضحياتها استقرت فى ذاكرة الجزائريين كأعظم صفحة فى تاريخهم.
عندما يستلهم الحراك الجزائرى اليوم روح الثورة فى ذكراها فهذا تأكيد جديد على عمق إلهامها ونفى بالوقت نفسه أن يكون هناك أى صدام بين الثورة الأم والحراك الذى يطلب القطيعة الكاملة مع وجوه نظام «عبدالعزيز بوتفليقة»، أو ما يطلق عليه «حكم العصابة».
هناك من تصور أن الحراك نوع من القطيعة مع إرث الثورة الجزائرية.
هناك باليقين أخطاء فادحة ارتكبت فى التجارب التى تعاقبت على مدى الـ(65) سنة الأخيرة كلها تستحق المراجعة فى سياق ظروفها وتحدياتها، غير أن فعل الثورة نفسه يدعو لفخر كل جزائرى وعربى وإنكاره جهل بالتاريخ ومواطن القوة فيه ويسحب على المفتوح من أى أمل فى التحول إلى دولة حديثة.
استدعاء المعانى الكبرى التى ارتبطت بالثورة الجزائرية بالزحف إلى العاصمة فى ذكراها دعما لمطالب الحراك شهادة جديدة بأهمية التراكم فى صنع التاريخ وأن اصطناع الفجوات يضرب فى المستقبل والتطلع إليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الثورة والحراك التجربة الجزائرية بين الثورة والحراك التجربة الجزائرية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon