بقلم: عبد الله السناوي
أن يطل الإرهاب من مكامنه فى وقت محنة صحية، تشمل العالم بأسره، تشل الحياة وتعطل الاقتصاد، لا يمثل بذاته أية مفاجأة.
بالتعريف فإن الإرهاب، هو عمل عنيف لأهداف سياسية يتحين الفرص والثغرات لإيقاع أكبر قدر من الترويع.
رغم تراجع العمليات الإرهابية فى الآونة الأخيرة، تحت الضربات الأمنية فى سيناء والداخل المصرى، فإنه يصعب الادعاء بأنه يوشك على الاختفاء، أو الاضمحلال.
قد يتراجع، أو يكمن، لكنه متمركز ومتأهب لكى يمر بين أية ثغرات أمنية وسياسية واجتماعية لتوجيه ضرباته الموجعة.
انشغال السلطات الأمنية بتأمين الشوارع، أثناء ساعات حظر التجوال الطويلة، ومتابعة الابتعاد الاجتماعى بقدر ما تستطيع لمنع تفشى الوباء، عبء إضافى ثقيل يستدعى بالضرورة علاقة أكثر صحية بين الأمن وشعبه، وإلا فإن الثغرات قد تتسع والإرهاب يجد فرصته ليضرب ويروع.
لا يوجد أمن مطلق، مهما تشددت الإجراءات، لا هنا ولا فى أى مكان بالعالم.
الأمن المطلق وهم مطلق، غير أن التماسك الاجتماعى يقلل إلى أكبر درجة ممكنة أية منافذ للإرهاب وجماعاته.
التمركزات الأمنية فى زمن «كورونا»، هدف أول يستهدف إرباك المشهد كله بإثارة مشاعر عامة سلبية عن مدى سيطرة الدولة وقدرتها على إشاعة الطمأنينة.
الكنائس هدف ثان معتاد ومتوقع فى المناسبات الدينية المسيحية.
قد يقال إنها مغلقة، خشية أن تفضى أية تجمعات لتفشى الوباء، والإجراء ذاته متبع فى المساجد، إلا أن رمزية الاستهداف تظل ماثلة حتى لو خفت أرقام الضحايا المسالمين.
لا تنفرد مصر بحربى «كورونا» والإرهاب، دول أخرى كثيرة فى العالم تعانى الحربين معا.
فى بلد مثل فرنسا يعانى من ضربات الوباء القاتل جرت قبل فترة وجيزة عملية إرهابية بمدينة صغيرة جنوب شرق البلاد، استهدفت بالطعن مجموعة من مواطنيها كانوا يتسوقون احتياجاتهم من الأغذية والأدوية قبل العودة للحجر المنزلى، وسقطت ضحيتان.
لماذا؟.. أية إجابة تخاصم المنطق والأخلاق، فلا معنى لقتل عابر سبيل يهرع إلى منزله باحتياجاته الأساسية، يبتعد اجتماعيا بقدر ما هو ممكن، ويتحرز من الوباء بقناع وجه، فإذا بذئب منفرد يطعنه فجأة بلا سبب ودون ذنب.
بطبيعة الجريمة وتوقيتها فإنها تغذى «الإسلاموفوبيا» وكراهية الأجانب، المسلمين على الخصوص، وآثارها المدمرة تلحق بالجاليات العربية والإسلامية التى تعيش هناك، وبسمعة الدين الإسلامى نفسه.
شىء من ذلك التهديد اللا أخلاقى فى وقت وباء مستشر، كاد يضرب فى القاهرة، وقد أطل من شقة فى حى «الأميرية» شرق العاصمة، حيث جرت اشتباكات بين قوات أمنية ومجموعة من المسلحين.
فى عملية «الأميرية» تبدت قضيتان.
أولاهما ــ أهمية استباق أية عملية إرهابية بالإجهاض، فالانتحارى إذا ما تمكن من الوصول إلى عين المكان بحزامه الناسف فإن الخسائر محققة، أيا كانت درجة الاستعدادات الأمنية.
وثانيتهما ــ قدر المصداقية أمام الرأى العام، أن هناك إرهابا متمركزا، مسلحا وجاهزا للإضرار والترويع، العالم كله شاهد بالبث المباشر على مدى أربع ساعات تبادل إطلاق الرصاص بين الأمن والمسلحين.
فكرة البث المباشر أثارت تساؤلات عن مغزاها، لكنها بصورة أو أخرى بدت أقرب إلى ختم مصداقية على الرواية الأمنية افتقدتها روايات سابقة اعتبرت وفق منظمات حقوقية دولية انتهاكا للحق فى الحياة، أو قتلا خارج القانون.
هذه المرة لا سبيل للطعن فى الرواية الأمنية، فقد جرت أمام الكاميرات تحت سمع وبصر العالم بأسره.
يستوقف النظر فى عملية «الأميرية»، قدر الحزن الجماعى على شبكة التواصل الاجتماعى، الذى صاحب الإعلان عن استشهاد المقدم «محمد فوزى الحوفى»، وإصابة اثنين آخرين.
استدعت المشاعر العامة الصورة، التى يمكن أن تكون عليها أسرته الصغيرة عندما تبلغ برحيله المفاجئ، وهو فى عز شبابه وعنفوان صحته، تعاطفت وتضامنت بلا ادعاء.
التضحية بالشهادة تكتسب قيمتها من عدالة قضيتها، أن هناك بلدا يستحق الدفاع عن أمنه ومستقبله.
«الحوفى»، يلخص معنى وتضحيته تكرس قيمة، لكنه كما لا بد أن نتصارح ليس النموذج الوحيد، فهناك من يتغول على مواطنيه دون مساءلة وينتهك القانون بسطوة القوة.
فى أوضاع تفشى الوباء تتزايد احتياجات المجتمع للأمن والطمأنينة والسلامة.
بذات القدر فإن الأمن يحتاج مجتمعه؛ ليتمكن من حمل الأعباء الثقيلة بكفاءة ويسر نسبى أمام ضربات الوباء والإرهاب.
تلك بيئة مناسبة لتصحيح أوجه الاختلال بين الأمن وشعبه وفق قواعد دولة القانون وشعار «الشرطة فى خدمة الشعب».
الإرهاب فى زمن «كورونا» له أوجه عديدة، بعضه مباشر بحمل السلاح والأحزمة الناسفة وبعضه غير مباشر بالاستثمار فى الأزمة الصحية على حساب المواطنين، كأنه «إرهاب رأسمالى متوحش»، لا يرى غير مصالحه المالية الضيقة حتى لو جرت التضحية بحياة العاملين.. «لما يموت شوية أفضل من أن البلد تفلس» ــ كما قال بالحرف رجل أعمال.
والإرهاب فى زمن «كورونا» يتداخل بالتزامن مع خطر وجودى تقترب مواقيته فى يونيو المقبل، إذا ما أقدمت إثيوبيا من طرف واحد، دون اتفاق مع دولتى المصب مصر والسودان، على ملء سد «النهضة».
إذا ما حدث هذا السيناريو فإنه «إرهاب مائى» يتهدد الوجود نفسه، الحياة كلها، فى بلد قامت حضارته وتواصلت مسيرته عبر القرون على نهر النيل.
عند هذه النقطة الخطرة فإن السيناريوهات والخيارات المتاحة ضيقة وإجبارية، فهيبة الدولة وشرعية الحكم على المحك ومصير البلد كله بين قوسين كبيرين.
هذا البلد يحتاج أوسع تماسك وطنى، ولكل شىء ضروراته ومداخله.
الانفتاح على جميع الكفاءات الطبية والعلمية والسياسية واحترام التنوع الطبيعى فى الاجتهاد الوطنى بعيدا عن الصراخ الإعلامى، مدخل ضرورى لاكتساب مناعة حقيقية ضد أية أخطار ماثلة أو محتملة.
تأكيد قوة الدولة بالتشدد فى الإجراءات الاحترازية بلا تهاون فى مواجهة الوباء المستشرى، وعودة للحياة الطبيعية خطوة بخطوة دون الخضوع لابتزاز بعض جماعات النفوذ والمال مدخل ضرورى آخر.
إطلاق سراح المحبوسين احتياطيا، الذين لم تتلوث أياديهم بالدماء، ولا حرضوا على عنف وإرهاب مدخل ثالث يكتسب ضروراته من تنقية البيئة شبه المسمومة فى وقت حرج يستدعى كل تماسك وطنى.