توقيت القاهرة المحلي 07:40:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القوة العربية: الأصل والمسخ

  مصر اليوم -

القوة العربية الأصل والمسخ

بقلم : عبد الله السناوي

 التسريبات والتصريحات تومئ إلى تطور خطير محتمل فى مسار الأزمة السورية.

تسريبات صحيفة «وول ستريت جورنال» كشفت وتصريحات وزير الخارجية السعودى «عادل الجبير» أكدت اتصالات جارية الآن لإرسال قوات عربية إلى سوريا محل القوات الأمريكية المقرر سحبها بأقرب وقت.

الفكرة ليست جديدة، فقد اقترحتها السعودية على إدارة الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما» غير أنه تجاهلها.

يصعب الادعاء أن الرياض أقنعت إدارة «دونالد ترامب» بما عجزت فيه مع سلفه، فقد أعلن عزمه أكثر من مرة على إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا وتحميل دول الخليج جميع الأعباء المالية لأية عمليات عسكرية ـ كما حدث فى الضربة الثلاثية.

بنص تصريحات «الجبير»: «السعودية مستعدة لتحمل حصتها من الأعباء المالية مع حلفائها فى المسألة السورية».
المعنى بكل وضوح: قوات بديلة تتحمل الأعباء المالية وتخضع للإشراف العسكرى الأمريكى بكل متطلباته السياسية على نحو يكاد يقارب ما أسند لقوات «سوريا الديمقراطية» الكردية فى الرقة وأماكن أخرى، كأنها بيادق على رقعة شطرنج يحركها البيت الأبيض دون أن يكون لها رأى ومشورة.

أخطر ما كشفته الصحيفة الأمريكية أن هناك اتصالات تجرى من أطراف عربية مع شركة «بلاك ووترز» المتخصصة فى جلب عسكريين مرتزقة إلى مواطن الصراعات والحروب.

المرجح أن صاحب فكرة الاستعانة بـ«بلاك ووترز» سيئة الصيت، شأن جماعات المرتزقة المسلحة، هو «جون بولتون» مستشار الأمن القومى الأمريكى الجديد متأثرا بتجربته العراقية عندما كان يعمل قريبا من إدارة «جورج دبليو بوش».

كانت جرائم «بلاك ووترز» فى العراق المروعة بحق المدنيين العزل أحد أوجه السقوط الأخلاقى والسياسى للحرب، التى دمرت بلدا عربيا جوهريا وتركته نهبا لجماعات العنف والإرهاب والصراعات المذهبية.

القصد ـ الآن ـ أن تكون هناك قوات عربية بديلة تتولى إدارة عملياتها قوات مرتزقة متخصصة فى ذلك النوع من الحروب وأن يمتنع عن السوريين أى أمل فى تجاوز محنتهم بأى وقت منظور.
ذلك ينتهك أى معنى ويبتذل كل قيمة لمشروع «القوة العربية المشتركة».

هناك فارق جوهرى بين طلب المنعة العربية حسب اتفاقية الدفاع العربى المشترك والانخراط فى أعمال أقل ما توصف به أنها مخجلة.

فى بدء ولايته الأولى طرح الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة لردع أية تهديدات محتملة.

تلخصت المشكلة ـ وقتها ـ فى سؤالين رئيسيين: من العدو؟.. وأين الجبهة؟

وتبدت تباينات جوهرية فى النظر إلى الأزمتين السورية واليمنية وفى توصيف التنافس الإقليمى مع إيران أوقفت أية احتمالات للمضى فى المشروع المصرى.

مع بدء العمليات العسكرية فى اليمن، التى أسميت «عاصفة الحزم»، أعلنت السعودية موافقتها على ذلك المشروع أثناء القمة العربية فى شرم الشيخ.

كانت تلك مناورة استهدفت فى توقيتها إضفاء طابع عربى على «عاصفة الحزم» وأن أكبر دولة عربية من ضمن التحالف الذى تقوده السعودية.

لم تتورط القاهرة فى حرب اليمن بأثر خبرة الستينيات رغم نبل دوافعها فى انتشال بلد عربى شقيق من القرون الوسطى إلى العصور الحديثة.

كان ذلك تقديرا سليما لحقائق الموقف حيث يكاد يستحيل أى حسم عسكرى فوق تضاريس قاسية تحت تعقيدات سكانية وخرائط تحالفات متحولة.

وقد دفعت السعودية ثمنا باهظا اقتصاديا واستراتيجيا بالإفراط فى استخدام القوة دون أفق حل سياسى وأخلاقيا بالنظر إلى بشاعة الأحوال الإنسانية اليمنية التى تتجاوز الكوابيس.

بعد وقت لم يطل جرى التقويض النهائى للمشروع المصرى بإنشاء قوة عسكرية مشتركة على نحو غامض ومثير، ففى اليوم الذى تقرر فيه التوقيع على البروتوكولات بمقر الجامعة العربية من رؤساء أركان الجيوش المنضمة لتلك القوة ألغى الاجتماع إلى وقت غير معلوم بطلب سعودى.
بصورة أو أخرى أبدت السعودية، التى تمتلك قدرات مالية هائلة، تطلعا إلى دور عسكرى قيادى فى الإقليم لا تتوافر مقوماته على حساب دول أكثر سكانا وأقوى تسليحا وتدريبا وجاهزية.

كان مستلفتا أن تعلن من طرف واحد عن «تحالف عسكرى إسلامى» تحت قيادتها، وقد أخفق قبل أن يولد، حيث أعلنت باكستان وتركيا اعتراضهما على الانخراط فيه.

لمن القيادة العسكرية؟

هذا سؤال مكتوم فى كل المساجلات والاتصالات.

بحقائق حسابات القوة العسكرية لا يصح لأية دولة عربية أن تمانع فى القيادة المصرية.
هناك من يتصور أن الأوضاع الاقتصادية المصرية الصعبة مبرر كاف للحديث باسمها دون استشارتها، أو الوقوف على رأيها ـ كما هو الحال الآن فى الاتصالات الجارية بشأن قوة عربية عسكرية بديلة فى سوريا.

لم تكن تلك أول مرة تخرج الرياض عن أصول العلاقات بين الدول فى ملف الحرب والسلام ـ وهذه قضايا أمن قومى على درجة عالية من الخطورة والحساسية.

إذا كانت قد أطلعت القاهرة فهذه مأساة، وإذا لم تكن قد أطلعتها فهذه كارثة.

كيف تحول ما هو أصيل وطبيعى ومشروع فى طلب إنشاء قوة عربية مشتركة إلى ما هو مصطنع وغير طبيعى وغير مشروع؟

إنه طلب الانتقام بغض النظر عن حجم المخاطر المحدقة ومستقبل الوطن السورى نفسه.
كانت الجامعة العربية، التى يفترض أنها بيت العرب، عاجزة تماما عن بناء أية تصورات مشتركة لها القدرة على تغيير المعادلات.

فى البداية ران الصمت على جنباتها ثم أخذت تبدى الانزعاج وتتبنى دعوات الحوار بين الفرقاء السوريين، قبل أن تستقبل معارضين بمقرها انتهت إلى الفشل.

أرسلت بعثة مراقبة انتهت إلى فشل آخر.

أخيرا جمدت عضوية سوريا وأحالت الملف كله إلى مجلس الأمن.

كان ذلك خطأ فادحا أفضى فى محصلته الأخيرة إلى تهميش أدوار العالم العربى فى الملف السورى.

قبل فترة سأل وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» اثنين من كبار الدبلوماسيين المصريين السابقين التقاهما فى موسكو بدواعى صداقات قديمة: «إلى متى يبقى المقعد السورى شاغرا؟».

بالإجماع الدبلوماسى الدولى لا حسم عسكريا ممكنا للأزمة السورية وأن الحل الدبلوماسى وفق «صيغة جنييف» لا بديل سواه، غير أن الضربة الثلاثية التى لم تسفر عن أى تعديل فى الموازين السياسية والعسكرية تجعل من الصعب الرهان على أى تسوية قريبة.

ما بين فشل الضربة الثلاثية وإلحاح دولها على العودة للتفاوض تتبدى عبثية القوة العسكرية العربية البديلة فلا هى قادرة على الحسم ولا هى طرف جوهرى فى التفاوض.

قبل عامين ـ بالضبط ـ قال الرئيس المصرى أمام مجموعة من المثقفين فى قصر «الاتحادية»: «لن نتورط فى إرسال أى جنود لا لليمن ولا لسوريا ولا لأى مكان آخر».

هذا ما تود مصر أن تسمعه من جديد لقطع الطريق على أى ضغوط محتملة توريطا لها فيما هو ضد أمنها القومى.

نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القوة العربية الأصل والمسخ القوة العربية الأصل والمسخ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon