توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التماسك فى وقت الشدة.. ضرورات وأصول

  مصر اليوم -

التماسك فى وقت الشدة ضرورات وأصول

بقلم: عبد الله السناوي

فى أوقات الشدة تتأكد الأهمية القصوى للتماسك الواسع، أن يثق المواطنون فى أنفسهم وأنهم قادرون على تجاوز أية أخطار محدقة تتهددهم فى وجودهم.
بتوقيت واحد تتداخل أزمتان كبيرتان فى المشهد المصرى، أزمة تفشى وباء «كورونا» المستجد، التى تضرب العالم بأسره تفزيعا وترويعا، وأزمة «سد النهضة» الإثيوبى بعد أن وصلت مفاوضاته إلى طريق مسدود ينذر بتداعيات يصعب حصر مخاطرها.
فى غضون الثلاثة أشهر المقبلة تتزاحم التحديات على جدول الأعمال، تفرض أولوياتها، وتستدعى مقاربات مختلفة وإعادة نظر فى مجمل الأوضاع والسياسات حتى يتسنى للبلد أن يواجه أزمتيه المتداخلتين، التى لا يمكن تأجيل إحداهما بذريعة مواجهة الأخرى.
اتخاذ ما هو ضرورى من إجراءات احترازية لمواجهة تفشى الوباء أولوية لا شك فيها صونا لصحة وحياة المواطنين وتخفيضا لأية كلفة اقتصادية باهظة متوقعة.
لا تنفى أولوية مواجهة الوباء ضرورة التنبه لخطر داهم قد يقتحم حياة المصريين فى يونيو المقبل إذا بدأت إثيوبيا ملء «سد النهضة» بعمل انفرادى دون اتفاق يحترم القوانين الدولية والوثائق الموقعة وما توصلت إليه مفاوضات واشنطن من تفاهمات شبه نهائية برعاية وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولى.
ما العمل إذا ما وصلنا إلى هذه النقطة الخطرة؟
إنها مسألة حياة أو موت فى بلد وصفه المؤرخ الإغريقى «هيرودوت» بأنه «هبة النيل»، حضارته وتاريخه وحياة مواطنيه عبر القرون ارتبطت بالنهر، فإذا ما انتقصت حقوقه المائية على نحو فادح، فإن العواقب لا يمكن تحملها وردات الفعل لا يمكن التحكم فيها.
وفق الإرث الفرعونى، فإن من أوجب واجبات من يحكم مصر الحفاظ على مياه النيل.
إنها مسألة شرعية، كما هى مسألة وجود.
تداخل أزمتى «كورونا» والمياه تكاد تقارب القصد المصرى القديم من إطلاق صفة الشدة على سنوات نقص مياه النيل وتفشى المجاعات والأوبئة فى ربوع الوادى.
أحد الأسئلة الجوهرية التى تطرح نفسها الآن بإلحاح على المفاوض المصرى: هل الموقف الإثيوبى استراتيجى أم تكتيكى؟
بصياغة أخرى: هل هو نوع من التعبئة الداخلية قبل الانتخابات المنتظرة أو نوع آخر من المماطلة لتحسين الشروط التفاوضية، أم خيار نهائى يسعى للهيمنة الكاملة على النيل، كما لو أنه يخصها وحدها دون مراعاة للقوانين الدولية، أو أية حقوق للدول المتشاطئة؟
لا يصح القفز إلى الاستخلاصات الأخيرة قبل استيفاء تعقيدات الصورة عبر دبلوماسية نشطة على جميع المحاور، تشرح الموقف موثقا لسير المفاوضات المصرية السودانية الإثيوبية على مدى خمس سنوات وتستجلى ما خلف البيانات المعلنة للأطراف المتداخلة، تصر على «مخرجات واشنطن» آخر نقطة تفاوضية، حتى لا نعود من جديد إلى المربع رقم (1) ونجد أنفسنا أمام السد وقد بدأ ملؤه بلا اتفاق.
الخارجية المصرية تتحرك بهمة لافتة فى هذا الملف أملا فى توفير بيئة عربية وإفريقية ودولية ضاغطة تمنع انفجار الأزمة بما يهدد يقينا السلم والأمن الدوليين.
المشكلة الحقيقية الآن أن الأطراف الفاعلة، التى يمكن أن توفر هذه البيئة الضاغطة منشغلة بأولوية وباء «كورونا» المستجد فى بلدانها.
بدواعى الفزع والخوف من آثار وتبعات الوباء هناك حالة هدنة دولية غير معلنة، تكبل إلى حد كبير الحركة الدبلوماسية، حيث تتراجع الأدوار الدولية لصالح الأوضاع الداخلية.
بحقائق اللحظة الحرجة فإن الحركة الدبلوماسية المصرية تسبح ضد تيار «كورونا»، ذلك يستدعى قوة دفع أكبر حتى يتسنى للعالم ومراكزه الكبرى أن يستشعر خطورة ترك الأزمة تتفاعل وتصل إلى نقطة التفجير، حيث يصعب التحكم فيها عند حد الحياة أو الموت.
بقدر ما تتعرض له مصر الآن من شدة مزدوجة، الوباء المتفشى ونقص المياه المحتمل، فإن حاجتها مضاعفة لاكتساب أكبر قدر ممكن من التماسك الداخلى، خفض الاحتقانات، تنقية الأجواء السلبية، تصحيح صورتها أمام نفسها وعالمها حتى يمكنها التقدم للمستقبل بثقة أيا كانت تحديات اللحظة الحرجة.
تصحيح الصورة من ضرورات اكتساب أوسع تضامن دولى ممكن فيما تتعرض له من مخاطر يؤهلها لاتخاذ ما تراه ضروريا للحفاظ على حقوقها وهيبتها لمنع ملء سد النهضة انفراديا.
بدواعى أزمتى الوباء والمياه تتبدى ضرورات التماسك، لكن: كيف؟.. وبأية وسائل؟
إعادة ترتيب الأولويات وتصحيح السياسات مدخل ضرورى لأى تماسك وطنى لازم حتى يتأكد المواطنون العاديون أن التحديات الماثلة تخصنا جميعا، حياتنا ومصيرنا ومستقبلنا معا.
نحتاج ردم فجوات الثقة بالشفافية واستعادة حرمة الكلمة واحترامها فى الإعلام بتوسيع الحريات والانفتاح على التنوع الطبيعى فى المجتمع واستدعاء كل ما فى البلد من كفاءات ومواهب لتضطلع بواجبها فى الدفاع عن مصيره ومستقبله.
باليقين فإن إخلاء سبيل (15) من الشخصيات العامة والأكاديمية والشابة المحبوسين احتياطيا على ذمة تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا خطوة صحيحة تردد صداها الإيجابى على شبكات التواصل الاجتماعى، كما لم يحدث منذ فترة طويلة.
هذه مجرد خطوة على الطريق الصحيح، تستدعى بالضرورة إفراجات أخرى أوسع مدى لرفع أية مظالم، أشار إلى وجودها الرئيس نفسه فى أكثر من حديث، ودرء أية أخطار على حياة المحتجزين فى السجون من تفشى الوباء.
اتساع الأفق السياسى من أصول التماسك الوطنى واستدعاء الهمة العامة فى مواجهة الشدة الماثلة.
لم يكن صحيحا ولا ضروريا ولا لائقا احتجاز أربع أكاديميات ناشطات بينهن الدكتورة «أهداف سويف» وهى أديبة معروفة فى العالم تحتفى بما تكتبه كبريات الصحف البريطانية، بتهمة التظاهر أمام المجلس النيابى للمطالبة بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا.
لم تكن هناك مظاهرة بقدر ما كانت احتجاجا وخشية على مصير المحتجزين من ضربات «كورونا» داخل السجون.
أفرجت النيابة العامة عنهن بكفالة، غير أن الأثر السلبى دوى فى العالم، هذا آخر ما تحتاجه مصر الآن فى زمن «كورونا» وشح المياه المحتمل.
فى أوقات الأزمات الكبرى يستدعى المصريون أفضل ما فيهم دفاعا عن وطنهم ومصيرهم المشترك، وعن معنى الحياة نفسها.
هذا وقت التماسك الوطنى، ضروراته ضاغطة وأصوله غير خافية، حتى يمكن للبلد أن يمسك مصيره بيديه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التماسك فى وقت الشدة ضرورات وأصول التماسك فى وقت الشدة ضرورات وأصول



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon