بقلم - عبد الله السناوي
فى حوار مسجل يوم (٢٤ مارس ٢٠١٣) لم يكن للنشر وله ظروف خاصة، بصوته هو، بنص كلامه، فى لحظة فارقة عندما احتدمت المواجهات بين أنصار الجماعة وخصومها من قوى مدنية وشبابية، قال بالحرف:
«لا أعانى من إحباط ولا أعمل إحباطا للناس».
«لا شىء يعلمك السياسة أكثر من التاريخ».
«التطور الإنسانى يأخذ مجراه بغض النظر عن اللحظة».
«عندما تقف عند لحظة معينة تصاب بالإحباط».
ثم بدأ يروى ما رآه بعينه أثناء حريق القاهرة فى (٢٦ يناير ١٩٥٢) تدليلا على أن اللحظة وانفعالاتها ليست نهاية المطاف فى حساب التاريخ.
«رأيت بعينى كيف نهبت البضائع من محل شيكوريل، كل وسط البلد أحرق والمحلات كلها نهبت، عندما عدت إلى أخبار اليوم، حيث كنت أعمل رأيت سيدة تحمل شنطة جولف ذاهبة إلى عزبة الترجمان.. سألتنى: هما بيعملوا بيها إيه؟.. وجدت أشياء بها معدن فأخذتها دون أن تعرف ما هى ولا ماذا تفعل بها».
«إذا رأيت القاهرة فى هذا اليوم فإنك تقول لا أمل، غير أنه بعد أربع سنوات أممت مصر قناة السويس وأصبحت قوة يحسب حسابها فى العالم».
«ليس ما يحدث الآن نهاية التاريخ».
«إذا تصور أحد أن مرسى استقرت عنده مصائر مصر فلا بد أن يكون مجنونا».
«خيرت الشاطر والمقطم والإخوان مرحلة عابرة.. عابرة.. عابرة.. فوق ما تتصور».
هكذا قال عند ذروة الصدام فوق جبل المقطم وكل شىء ينذر بالتصعيد.
فى ذلك الحوار المسجل سألته عما إذا كان يتوقع أن ينفذ «مرسى» تهديده الذى كتبه على شبكة التواصل الاجتماعى من أنه سيتخذ ما يلزم لضبط الأمن وضرب رءوس الفتنة قاصدا قيادات جبهة الإنقاذ.
«هيكل»: «هل لديك شك، ليس أمامه إلا أن يتبع الإخوان».
قال إن إحدى الصحف دعت إلى إهانته باعتباره واجبا وطنيا، وأنه لم يتخذ أى إجراء حتى الآن.. هل هذا تهديد؟.. وهل يمكن لأحد أن يستبعد سيناريو الاغتيالات السياسية، فتصاعد العنف على هذا النحو مع اليأس والإحباط وصفة جاهزة للاغتيالات، أو أية سيناريوهات مقاربة مثل محاكمة حمدين صباحى ومحمد البرادعى، فمرسى يقول إن أحدا لن يفلت من العقاب إذا ثبت تورطه.. هل يقدر؟
«هيكل«: «أتمنى ألا يقدر.. لكن ما يمنع، فهو يريد أن يخلص منك قبل أن تؤثر تصرفاتك داخل الجيش».
و«هو يرى أنه لا يتحكم فى الموقف لأنه لم يتخذ كل إجراءاته».
«كما يعتقد أن الطرف الآخر فى الصراع إعلام منفلت لا بد أن يضبط ومهيجون ينبغى أن يقمعوا».
«من الصعب أن تضع نفسك مكانه لتعرف كيف يفكر».
«يجب ألا تتصور أن هناك نظرة واحدة لكل ما فى المستقبل».
«إنها الكراهية إذا؟».
«هيكل»: «أنت تحفظ مقدمات مقالاتك، أنا غير متأكد أننا وصلنا إلى تلك الدرجة من الكراهية، لكننا نقترب منها، وسفير صربيا فى القاهرة لفت نظرى إلى ظاهرة تابعها هو وغيره باهتمام بالغ، فقد رأى الإخوان وهم يَضربون ويُضربون فى موقعة المقطم».
«ثم إنى تابعت ما وراء الحدث فعرفت أن أحد عشر لوريا محملة بفوائض كسر رخام لصد الناس القادمة للاحتجاج أمام مكتب الإرشاد.
«كسر الرخام مادة صلبة وقوية بينما القادمون ليس أمامهم غير طوب ملتقط من الطريق».
«الحالة المعنوية العامة تستحق التوقف أمامها وتأمل معانيها، فقد تبارى سائقون فى موقف عام بالنداء على مواطنين عاديين للصعود إلى المقطم للتظاهر أمام مكتب الإرشاد دون أن يتلقوا أجرا».
«هيكل»: «لا بد أن تدرس التكوين الاجتماعى للجمهور الذى تظاهر أمام الإرشاد ونجح فى كسب الموقعة ضد أنصار الإخوان، كثيرون منهم من الدويقة ومن المنازل التى انهارت، وأعدادهم أكبر بكثير من الناشطين الذين صعدوا المقطم».
«أحضر الإخوان أنصارهم فى أتوبيسات من الأقاليم، معنى ذلك أن قوتهم فى العاصمة لا تكفى لأى مواجهات محتملة؟».
«هيكل»: «قد تكون الجماعة قد ادخرت قوتها».
«هل أدى الحشد من الأقاليم إلى ضعف القدرة على المناورة والحركة لغياب أية معرفة بمسرح المواجهات وشوارعه الجانبية».
«هيكل»: «هذه فرضية خاطئة، فهناك استعدادات لا بد أن تكون قد جرت».
«ربما استعانت الجماعة بحشود من خارج القاهرة لتعظيم الإحساس بقوتها».
«هيكل»: «جزء كبير من المعارك جرت عند أوائل الطرق ودور أهالى المنطقة كان حاسما».
«أتوقع أن يكون لمعركة المقطم نتائج وتداعيات جوهرية وأرجح أن المجتمع قد دخل الصراع».
«هيكل»: «حمدين قال لى إن فائض تراجع شعبية الجماعة لم يذهب بعد إلى المعارضة».
«ذلك وضع مؤقت، فنحن أمام أزمة شرعية تتفاقم، وفى كل المواجهات التى جرت من التحرير إلى المقطم ضربت الجماعة».
«هيكل»: «الملاحظة صحيحة».
«الإخوان نشروا صورا لاعتداءات بدنية عليهم لا يقبلها ضمير، هل يلعبون دور الضحية والجلاد فى نفس اللحظة».
«هيكل»: «أمام الرأى العام الضحية غير موجودة وغير مقنعة».
«أرجو أن تنظر فى عناوين جرائد الصباح، فكل جريدة علقت على حوادث المقطم بما يناسب خطها السياسى، الشروق قالت إنها خسارة للجميع، والمصرى اليوم انطوت عناوينها على شماتة دون إخلال بالقواعد المهنية، والتحرير قالت الدم بالدم لكن المتن كان متزنا والوطن قالت إنها نكسة المقطم».
«الشىء نفسه جرى مع حديثك الأخير مع لميس الحديدى، كل جريدة اختارت ما يناسب خطها بغض النظر عما قلته، كأنك مثل محمد على كلاى ترقص كالفراشة وتلدغ كالنحلة، من يريد لدغة النحلة قال إن الإخوان أخذوا علقة ومن يريد رقة الفراشة قال إن الجيش لن يتدخل».
«هيكل«: «كل واحد يأخذ هواه، والقضية ليست ماذا قلت بل كيف فعلت».
«مطلع المدرج هو كل ما يهمك عند إقلاع الطائرة، وكل واحد عنده موقع نظر».
«أين موقع نظر الشعب المصرى الآن».
«هل يغلق عينيه أم ينظر إلى السماء».
«عمر الشعب المصرى ما كان عنده هذه الدرجة من الوعى وهذه الدرجة من التنبه».
«لا مفر أمام أى مجتمع غير أن يخوض تجربته ولا فرصة لاختصار الزمن، عبدالناصر حاول اختصار الطريق إلى التقدم، ظهرت القوة اللى بره واللى جوه والرواسب والعوالق والعقبات».
«حيث توجد أزمة فهناك فرص».
«أنا ضد حكاية أن مفيش فايدة».
.. هكذا تحدث قبل أن تحسم الظروف بمعاركها وتحدياتها، وقبل ذلك بقوة حضور المجتمع، كلمتها فى (٣٠) يونيو.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع