توقيت القاهرة المحلي 19:49:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما زحفت «المدنية»!

  مصر اليوم -

عندما زحفت «المدنية»

بقلم: خولة مطر

عند مدخل الحى بقيت تلك الدكانة لسنين طويلة حتى بعد أن توفى صاحبها وورثها أبناؤه الذين لم تكن لهم نفس الطاقة ولا الاهتمام به فتحول تدريجيا إلى مكان لتجمع الأصدقاء وكثير من سكان الحى من الشباب يتسامرون وأعينهم على مداخل ومخارج المكان، كان البعض يطلق عليهم برج المراقبة لأنهم الأكثر معرفة بكل ما يحدث فى الحى على الأقل فى ساعات النهار الطويلة، يشربون الشاى كثيرا وأحيانا بعض الحلوى والقهوة بالهال.
***
ولا يمكن أن يكون هناك حى فى المدن العربية أيام زمان دون أن يتوسط الحى قهوة هى حقيقة «برلمان» ذاك الزمان يتناقش الجميع ويختلفون على الكثير فيما يلعبون الورق و«الكيرم» وهى لعبة شعبية عرفتها مدن الخليج، عبارة عن خشبه مربعة بألوان وفتحات فى الزوايا الأربعة وقطع من الخشب الملون دائرية الشكل وعلى المتسابقين أن يسقطوا القطع الخشبية فى الفتحات الأربعة، وغيرها من الألعاب الأخرى، وكانت السياسة ليست بعيدة عن تلك الجلسات رغم أن المكان بل كل الأمكنة لم تكن تخلو من «العسس» ولكن ربما أن الأنظمة لم تتوحش حينها كما الحال الآن!
يعلو الصريخ أحيانا بين مؤيدى الناصرية والقومية العربية والبعثيين وبعض اليسار الجديد.. ولم تكن القهوة لتقديم الشاى وغيرها من المشروبات الساخنة والمثلجة بل وأيضا بعض الأطعمة الخفيفة الأخرى.
***
وهناك عند الزاوية الأخرى دكان الحى المعتاد مكتظ بكل الاحتياجات الأساسية لكل بيت إلى جانب المشروبات الغازية.
تدريجيا زحفت ما عرف بـ «المدنية» إلى المدينة، تصور سكان الحى أن حيهم سيبقى يحافظ على تراثه وتفاصيله.. بقى وصمد بعض الشىء ولكن كان الضحية الأولى القهوة الشعبية التى أغلقت أبوابها بعد أن هجرها سكانها الأصليون وبقى منهم بعض كبار السن الذين كانت هى كل حياتهم اليومية ومجالس يتسامرون فيها ويعيدون ذكريات الأيام الجميلة.
***
انتقل رواد القهوة الشعبية إلى المقاهى التى اقتربت تدريجيا من حيهم من ستاربكس إلى كوستا كافى حيث استبدلوا القهوة الشعبية والشاى المسكر بالكابتشينو واللاتيه بنكهاته المتنوعة.
أما الضحية الثانية فكانت تلك الدكانة الصغيرة عندما بدأت أسواق السوبر ماركت العالمية تفتح أبوابها بأرفف مزينة بكل ما لذ وطاب، مغريات كثيرة تستعدى المشترى لامتلاكها رغم أنه أو أنها قد لا يكونوا بحاجة لها.
***
كلها أشهر أو أقل وأغلقت المحال واحدة خلف الأخرى أبوابها وانفض الرواد وتناثروا أو بحثوا عن مقهى آخر يبعد بعض الشىء قد يكون قاوم الزحف المقبل مع ما سمى بـ «المدنية» والحضارة القادمة بثقافات متعددة وفى البداية محتقرة كل ما هو تراثى.. كما هجر القهوة روادها، رحل سكان الحى إلى المدن الحديثة ببيوت «فلات» كبيرة بحدائق وأحيانا حمامات للسباحة أو شقق مكتظة للطبقات الأقل فى إمكانياتها المادية.
***
تكفلت الدولة بمدن للفئات محدودة الدخل، فقدت العائلات ترابطها وتواصلها.. ابتعد الكثيرون حتى أصبح لقاء الأخ بالأخ عبر المواعيد، أغلقت تلك البيوت بأحواشها الجميلة الرطبة فى الصيف عندما كانت النساء ترشها فى أيام الصيف بالماء لتخفف من حرارة الجو.. تركوها وتصوروا أن الحضارة هى المقبل من هناك من أفلام هوليوود بنسائها الأنيقات ورجالها المهندمين.
***
اختفت المشروبات البسيطة واكتظت الأرفف بمشروبات بنكهات مختلفة حتى احتار المشترى فيما يشرب وهى كالمقاهى الحديثة كلما تعود الزوار على مشروب خلقوا الجديد أليست هى ثقافة الاستهلاك التى أصبحت نمطا للحياة الحديثة.
***
انتقلت العمالة الوافدة إلى الأحياء التى هجرها أهلها لرخص الإيجارات وانتشرت روائح الأطعمة الآسيوية المتنوعة واحتلت مكانها بدلا عن رائحة السمك الطازج المقلى عند ظهيرة أهل الحى.. وتحولت يافطات المحال لتحمل أسماء بلغات وأحرفا بعيدة عن تلك الأرض.. اختلطت الأحياء حتى فقدت شكلها وتفاصيلها.
***
التهجين هو ما طغى على ذلك الحى وغيره.. كما زحفت «المدنية» زحف الإهمال على تلك الأحياء وعندما وعى أهلها على أهمية أن يحافظوا على تراثهم أو ما تبقى منه كان بعضها قد غادر دون عودة.. وبقى أهلها يترحمون على تلك الأحياء.. على حياتهم البسيطة وعلى محبة وتواصل رحلوا عندما زحفت «ستاربكس» لتحل محل قهوة محمود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما زحفت «المدنية» عندما زحفت «المدنية»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon