بقلم - خولة مطر
يبدو أن الربيع العربى قد أصاب الطبيعة أيضا ولم لا؟ فمنذ 2011 وعواصم عالمية من آسيا إلى أمريكا اللاتينية وغيرها تضج بصراخ الفقراء والمعوزين والمتطلعين لقانون يحمى المواطن وبذلك يكون درعا واقيا للوطن، بدلا أن يكون قانونا لحماية تجار السياسة ومروجى الخطابات الممجوجة حول العزة والكرامة باسم الشعب أيضا!!
• • •
تمردت الطبيعة منذ سنوات عدة وجاءت التحذيرات المتزايدة من العلماء والمختصين ولكن من يستمع لهم أصلا؟ حتى حلت الكورونا وقيل إنها أحد عوالم ذاك الرفض من قبل الطبيعة لكل ما يقوم به البشر من انتهاك واستغلال للطبيعة والخيرات والموارد التى كانت متاحة للجميع لأن الطبيعة أكثر عدالة حتما من البشر.
• • •
حلّ الصيف على كل المدن فكان أن سجلت جنيفا ولندن وباريس ومدريد درجات كانت لسنوات وسنوات حكرا على دول بعينها حتى أن الهاربين من لهيب الخليج وجدوا أنفسهم تحت درجات حرارة مشابهة أو ربما أقل ببضع درجات ولكن لعدم توفر الاستعدادات اللازمة من مبانٍ تخزن برودة المكيفات ومن توفر التكييف فى كل بقعة من هذه الدول حتى أصبح المرء بحاجة إلى حمل جاكيت معه عندما يصر القائمون على صالات السينما والمسارح والأسواق المغلقة (المولات) على تقليد أجواء الإسكيمو!!!
• • •
حتى فى بعض المدن العربية التى عرفت أجواء الصيف الحارة ولكنها لم تعرف لهيب الصيف كما يعرفه سكان الخليج أو بعض الدول الأفريقية والآسيوية المتشابهة فى الطقس فقط. فها هو النهار يطول ويطول، ودرجات الحرارة ترتفع وترتفع فى كثير من المدن اللبنانية التى تمتلك المكيفات ولكنها ومنذ أشهر إن لم يكن سنوات تفتقد إلى توفر الكهرباء إلا فيما ندر. يجلس البيروتيون والطرابلسيون والصيداوون فى بلكونات شققهم فى عمارات متلاصقة تنشر السخونة من أسمنت إلى أسمنت ومن طوبة إلى طوبة. كان اللبنانيون يهربون فى ذاك الماضى القريب إلى الجبال أو الشواطئ كما يفعل كثيرون من المصريين إلى الساحل الشمالى أو مدن البحر الأحمر أو مرسى مطروح أو مرسى علم والتونسيون إلى الحمامات وغيرهم كثر، كلهم يملكون خيار الهروب من حرارة المدن إلى المصايف على اختلافها. ولكن البنزين شح وارتفعت أسعاره لتصبح قريبة من سعر الذهب والألماس (هذا إذا ما قورن بدخل الفرد)، وفى الوقت ذاته «شبت» نار الأسعار مرة نتيجة لتدهور العملة ومرات كثيرة لجشع جمع رجال السياسة برجال المال ورجال الحكم فكانت الكارثة على اللبنانى واللبنانية.
• • •
الشواطئ الخاصة بعيدة عن متناول الأسر المتوسطة الدخل وليست الفقيرة رغم أن معظم اللبنانيين وحسب دراسات لمنظمات مختصة قد انحدروا وتحولوا من خانة إلى خانة الفقر أو ما تحتها فى ظرف بضعة شهور. لم يعد المصيف أو المسبح متاحا إلا للقلة أما الجبل فكل من يفكر فى أخذ المخاطرة عليه أن يدرس كيف سيوفر البنزين إذا ما وفر بضعة دولارات حوّلها إلى ليرات بسعر صرف يتغير مع كل صباح فهو بالأمس كان 29 واليوم 29.9 وغدا يعود نقطة فوق أو تحت، وأعين اللبنانيين متسمرة وقلوبهم تتوقف عند كل منحدر سياسى أو خطوة حكومية وهم لا يسمعون سوى أن الرؤساء ليسوا متفقين وكأنها المرة الأولى فى تاريخ هذا البلد.
• • •
تقول صديقتى القديمة التى لم ألتق بها منذ سنين، إنها تصورت أنها وفرت بعض المال ليكون سندها عند التقاعد وأنها وضعت قوائم من الأمانى فى قائمة طويلة من ما رسمته لنفسها كمكافأة نهاية خدمتها لأسرتها ولمجتمعها، فها هى تتجه للبنك ليقول لها المسئول عن فرع البنك فى مدينة صيدا «لقد جمدت كلها» ولم يكمل الجملة فهى تعرف أن هذا هو واقع الأمر مع كل اللبنانيين وغيرهم ممن أودعوا أموالهم ببنوك لبنان ظنا منهم أنه الملاذ الأضمن فى بلد كل تاريخها كان متكئا أو معتمدا على القطاع المصرفى. وبعد بضع لحظات من الصمت، وهى تحاول أن تتمالك نفسها من الانقضاض عليه وعلى كل موظفى ذاك المصرف وتصرخ «حراميه»، وهو يفكر أنه لم يصنع السياسات ويحاول أن يقول لها «لا تطلقى الرصاص على ساعى البريد». بعد دقائق من الصمت القاتل كليل بيروت المعتم أو يشبهه، قال ولكنه بإمكانك أن تسحبى شهريا 400 دولار وبضعة ملايين مئات الألوف من الليرة التى سقطت فى بئر الانهيار كما هو حال الاقتصاد.
• • •
هذا لبنان الآن دون كل شىء، لا كهرباء ولا ماء حتى أصبح صوت مولدات الكهرباء جزءا من الضوضاء العامة خاصة فى مدنه و«تنكرات» الماء تتنقل من عمارة شاهقة إلى أخرى تسقى السكان ببضعة جالونات من الماء تكفى لأسبوع أو يوم. أما شبكة الإنترنت فهى الحديث الدائم عندما يتواصل اللبنانيون مع أفراد أسرهم فى الداخل أو المغتربين رغم أن الاغتراب لم يعد فى بقاع الأرض بل هو واقع لكثير من العرب فى أوطانهم، واللبنانيون أكثر من يعرفون ذلك، هم الذين لم يعرفوا إلا الوفرة جاء عليهم الوقت ليتعلموا أن يقفوا فى طوابير طويلة من أجل ربطة خبز قفز سعرها حتى أصبحت العائلات الكبيرة غير قادرة على توفير «العيش» أو الخبز فكيف يعيش اللبنانى وهو ينبش سلات القمامة، وعلى الجهة الأخرى من الرصيف يجلس آخرون، هم بالطبع قلة القلة، يفتحون الشامبانيا والويسكى ويلتهمون الكافيار والسمون المدخن ويصفون عربات تحمل أسعارها أصفارا تصعب على المواطن البسيط أن يفكها رغم أنه صار لا يستطيع أن يحضر ربع احتياجات بيته سوى بدفع ملايين الليرات.